عندما نغضب أو نثور قد نبطش بمن أمامنا أو نحطم الأشياء من حولنا، ربما هذه هي الطريقة التقليدية التي يلجأ إليها البشر للدفاع عن مصالحهم أو التعبير عن حاجاتهم المكبوتة أو إثبات وجودهم، ويحدث الأمر ذاته أيضاً عند الأطفال، ففي حال تعرض الطفل لموقف مثير للإحباط من أحد والديه، كتأخره في تنفيده وعده له بشيء ما أو عدم شرائه للعبة التي يرغب بها، نجد أن الطفل يصدر استجابة سلوكية عنيفة يعبّر عن استيائه ورفضه لهذا الموقف، في هذا المقال نوضح لك تعريف الغضب عند الأطفال وأنواعه وأسبابه وكيفية إدارة الغضب عند الأطفال.الغضب عند الأطفاليمكن أن نعرّف الغضب عند الأطفال بأنه حالة من التوتر يتبعها انفجار شامل وانفعال شديد أو ثورة عارمة بجميع المشاعر المصاحبة لها في نفس الطفل، وعادةً ما يصاحب هذا الانفعال سلوكاً عدوانياً قد يعبّر عنه من خلال الصراخ والبكاء أو الضرب والاعتداء اللفظي أو الجسدي وغيرها. وتعتبر مواقف الفشل والإحباط أو وجود عقبة ما تمنع الطفل من تحقيق رغباته وأفكاره من أهم الأسباب الأساسية للغضب عند الأطفال.ومن أبرز مظاهر الغضب عند الأطفال؛ البكاء والصراخ، ومجادلة الكبار والشجار معهم، والسرقة بدافع الانتقام، وتخريب ممتلكات الآخرين أو الممتلكات الشخصية أو التكسير، والاعتداء اللفظي والجسدي، والمشاحنات الكلامية وقذف الشتائم، والعناد وعصيان الأوامر، وكبت مشاعر الكراهية تجاه شخص أو موقف معين.ومن المهم أن نشير إلى أن أشكال استجابات الغضب والسلوكيات العدوانية تعتبر متغيرة بفعل مجموعة من العوامل، منها: عمر الطفل والثقافة السائدة في الأسرة والمجتمع المحلي، والخصائص النفسية التي يتميز بها كل طفل عن الآخر.أنواع الغضب عند الأطفالغالباً ما تتعلق ردة الفعل الغاضبة الصادرة عن الطفل بنوع الهدف الذي يريد تحقيقه من خلال السلوك العدواني أو مضمون الرسالة، التي يريد إيصالها لمن حوله عن طريق إشهار سلاح الغضب.وإذا أجرينا تحليلاً بسيطاً للمواقف المختلفة التي يستجيب لها طفلك بانفعال الغضب، يمكن أن نلاحظ أن هناك عدة أنواع للغضب الذي يشعر به، إذ إنه يختلف بحسب الدافع الذي أدى له:الغضب الدفاعي: قد يشعر الطفل بأنه مظلوم في بعض المواقف، مثل: اتهامه بشيء لم يفعله، مما يؤدي إلى استجابته بطريقة عدوانية وغاضبة بهدف الدفاع عن نفسه. الغضب بدافع فرض القوة والسيطرة: بعض الأطفال وبسبب ظروف نفسية واجتماعية معينة لديهم نزعة نحو السيطرة على الآخرين وفرض قوتهم في بعض المواقف، وهم يتصرفون بغضب أو ربما بعدوانية نحو الأشخاص أو الأمور التي تمنع تحقيق سيطرتهم، هذا تماماً ما يحدث مع الأطفال المشاكسين الذين يعتدون على زملائهم في المدرسة. الغضب الانتقامي: يحدث هذا النوع عندما يشعر الطفل بأن هناك شخصاً ما قد أضر به ويرغب بالانتقام منه، لهذا قد يعتدي على زميله الذي وشى به أمام المعلم، أو يخرب ممتلكات المنزل لأنه انزعج من والديه، أو يسرق ممتلكات أخيه الذي يغار منه. الغضب المتعلق بعدم تحقق الرغبات: جميع الأطفال يغضبون عند شعورهم بالإحباط بسبب وجود شيء ما يمنعهم من تحقيق رغباتهم والوصول إلى أهدافهم، وهذا ما يفسر نوبات الغضب التي تنتاب الطفل عندما يمنعه والداه من الخروج ليعلب مع رفاقه. الغضب المفتعل: وفي هذا النوع لا يشعر الطفل بالغضب فعلاً، وإنما يُظهر غضبه، لأنه اعتاد على أن الغضب سلاح ناجح يمكّنه من تحقيق رغباته، فالطفل الذي يلاحظ أن رفاقه أو أخوته الأصغر سناً يخافون منه عندما يكون غاضباً، سيفتعل الغضب دائماً كي يضمن رضوخهم لرغباته. الغضب المحوّل: وهو النوع الذي يحوّل فيه الطفل مشاعر استيائه نحو موضوع أو شخص ما لعجزه عن إبراز غضبه تجاه الموضوع الأساسي، وهذا ما يحدث عندما يكبت الطفل انزعاجه من المعلم في المدرسة ويعود ليصب مشاعره المكبوتة في المنزل أمام الوالدين.أسباب الغضب عند الأطفالبما أن غضب الأطفال هو استجابة شعورية لموقف معين أزعج الطفل، فإن نوع هذه الاستجابة من حيث الشدة أو الشكل يختلف بحسب الأسباب التي أدت لحدوث هذا الموقف المزعج، ومن هنا يمكن أن نحدد أبرز الأسباب التي قد تثير الغضب عند الأطفال: الفشل في تحقيق الأهداف أو الرغبات: فعندما يسعى الطفل لتحقيق هدف معين، ويناضل للوصول إليه ويضع الخطط والأفكار التي سينفذها عند بلوغ هذا الهدف، وفي النهاية يفشل في تحقيقه لأن هناك حائل ما يمنع تحقيق رغباته؛ سيُصاب بالإحباط ويشعر بغيظ شديد وغضب حاد، فالطفل الذي يخطط مع أصدقائه لما سيفعلونه خلال الرحلة التي تقوم بها المدرسة، وربما يحضر أغراضه ويتحدث كل يوم مع أصدقائه في هذا الأمر، ويجد أخيراً أن والديه لن يسمحا له بالخروج في هذه الرحلة من الطبيعي أن يشعر بالاكتئاب ومن ثم الغضب. الغيرة من طفل آخر: إذ إنه يمكن ملاحظة زيادة غضب الطفل وسلوكياته العدوانية عند قدوم مولود جديد إلى الأسرة واستئثاره برعاية واهتمام الجميع، أو عند مقارنة الطفل مع أحد من أقرانه بهدف تحفيزه على تقليد سلوكه، مما يثير الغيرة عند الطفل. الشعور بالنقص: قد يستخدم الطفل الغضب والعدوان بهدف إثبات وجوده وتعويض النقص الذي يشعر به بسبب اعتقاده بأن الآخرين أفضل منه ولديهم ما يميزهم عنه، ويحاول بعض الأطفال إزعاج إخوتهم الأصغر سناً، بحجة أنهم الأخوة الكبار ويحق لهم فرض سيطرتهم على إخوتهم الأصغر، ولكن الدافع الحقيقي يكون ناتجاً عن شعورهم بالنقص، لأن أخوتهم يتمتعون بإمكانيات أكثر ويحظون برعاية أكبر من الوالدين. المعاملة السيئة من الوالدين أو المعلمين والمربين: بعض الآباء والأمهات والمعلمين والمربين يعاملون أطفالهم بطريقة قاسية أو بقدر غير كافٍ من الاهتمام، وهذا ما يتسبب في خلق شخصية متوترة وغاضبة عند الطفل ويجعل منه شخصاً حاد الطباع ويعامل الآخرين بقسوة. الرضوخ لرغبات الطفل عند استخدامه سلاح الغضب: مما يدفع لإعادة الكرة مرة أخرى بهدف تحقيق ما يريد، لأنه رأى في الغضب طريقة فعالة للضغط على الكبار. تحديد حركة وحرية الطفل وكثرة الأوامر والنواهي: تتميز مرحلة الطفولة بفرط النشاط والمستوى العالي من الحيوية وكثرة الرغبات والأمور التي يرغب الأطفال بتجريبها، وفي حال المبالغة في تحديد حرية الطفل وحركته أو محاصرته بالنصائح والإرشادات وكثرة الأوامر والنواهي، تدفع الطفل للشعور بالتذمر والضيق، وبالتالي الاستجابة لهذه الأمور بعدوانية وغضب شديدين. المحاكاة والتقليد: ويحدث هذا عندما يلاحظ الطفل أن الشخصية التي تعجبه ويعتبرها قدوة كأحد والديه أو شخصية كرتونية أو أحد أقرانه، تعالج مشاكلها عن طريق الغضب والسلوك العدواني، حينها يحاول الطفل تقليد هذه الشخصية والاقتداء بتصرفاتها، ننصحك بتعلم كيفية التعامل مع التقليد عند الأطفال. طلب مهام معينة من الطفل قد تكون أكبر من قدراته: إذ إن عجز الطفل عن النجاح في تأدية ما يُطلب منه، يثير لديه الشعور بالغضب والعدوانية لتغطية عجزه، وهذا الذي يحدث في حالة التلميذ ضعيف المستوى الذي يطلب منه المعلم وظيفة أكبر من إمكانياته ويعجز عن القيام بها، ما يجعله يذهب ليصب غضبه أمام الوالدين عن طريق الصراخ وشتم المدرسة أو المعلمين. التدخل في الأمور التي يعتبرها من خصوصياته: هناك بعض الأمور التي يعتبرها الطفل خاصة به وحده ولا شأن للآخرين بها، كالملابس التي يرغب بارتدائها أو اللعبة التي يريد اقتناءها أو سر ما يرغب في إخفائه عن الجميع، وعندما يتدخل أحد في هذه الأمور قد يرى الطفل في هذا اعتداء على عالمه وحياته الخاصة، ويستجيب لذلك بالغضب تجاه هذا التدخل، لذلك يجب على الوالدين والمربين إعطاء الطفل حريته في بعض الأمور غير الضارة من جهة وإيجاد وسائل جيدة لإقناعه بتعديل بعض قراراته الخاصة إذا كان فيها خطأ ما من جهة أخرى.كيفية إدارة الغضب عند الأطفالمن غير الممكن أن تتعامل مع غضب طفلك واستجاباته العدوانية بردود فعل نمطية تتمثل في قمع ثورته وإجباره على كبت مشاعره الغاضبة بالتهديد أو القوة، أو التسامح التام والتغاضي عن تصرفاته غير المقبولة أو الامتثال لرغباته. وعوضاً عن ذلك، يجب أن تتصف ردة فعلك تجاه غضبه بالمرونة والتناسب مع الموقف الذي أدى لغضبه، وأن تستخدم كذلك الأسلوب الوقائي من خلال تعليمه كيفية إدارة الغضب والطريقة المناسبة للتعبير عن انزعاجه، إذ يمكن أن تحقق هذا من خلال اتباع الخطوات الآتية: تقبّل حقيقة أن طفلك في بعض الأحيان قد لا يتمكن من السيطرة على سلوكه وتصرفاته؛ فهو لا يتمتع بقدرة الكبار على ضبط النفس وكبت المشاعر، لذا فإن شعوره بالغضب تجاه بعض المواقف أمر طبيعي ولا يحتاج للقلق. ابتعد عن الأسباب التي قد تثير الغضب عند الطفل، من خلال ملاحظة الأشياء التي قد تثير غضب طفلك وتحاول تعليمه كيفية السيطرة على مشاعره وإدارة غضبه، عن طريق تجاهل موضوع الغضب وإشغاله في شيء آخر عند شعوره بالتوتر ، ومن جهة أخرى يجب إبعاده عن مشاهدة النماذج العدوانية المتمثلة في بعض الشخصيات الكرتونية وألعاب الفيديو أو بعض الأفراد الموجودين حوله. يتمتع الأطفال بقدر كبير من الطاقة والحيوية والنشاط وهم بحاجة لتفريغها، ومن هنا تبدو ضرورة توجيهك لطفلك نحو بعض أنواع الأنشطة المفيدة المحببة لديه كممارسة الرياضة أو تنمية مواهبه كالرسم أو العزف على آلة موسيقية. أعطِ طفلك قدراً أكبر من الحرية ولا تحاول المبالغة في تحديد تصرفاته أو كبت مشاعره أو التدخل في شؤونه الخاصة من دون مبرر، دعه يلعب ويجرب ويكتشف أخطاءه، فكبت الحرية من أكثر الأشياء التي تثير غضب الأطفال واستياءهم. ساعد طفلك كي يتعلم حل مشكلاته بهدوء عن طريق التفكير فيها وتحليل عناصرها وفهم أبعادها، كي يعرف أن كل مشكلة لها حلها بدلاً من استسلامه لنوبات الغضب الحادة مع كل عقبة تعترض طريقه، فبعض الأطفال ينتابهم الغضب لأتفه الأسباب دون إجراء أي محاولة لحل مشاكلهم، فيغضبوا لأنهم فشلوا في حل مسألة رياضية، أو لأن والديهم رفضوا طلباً ما، أو لوقوع خلاف مع أحد الأقران. انتبه لعدم إفشال مخططات طفلك وإحباط توقعاته، ففي بعض الأحيان يمكن أن تعد طفلك بأنك ستأخذه في رحلة كي تشغله عنك، بالنسبة لك ربما ستنسى الأمر بعد دقائق، لكن الطفل سيفكر طوال اليوم في هذه الرحلة، ما الذي سيفعله فيها وربما سيتحدث مع أصدقائه عنها، لذلك عندما تفاجئه بأنك لن تنفذ ما وعدته به، فمن الطبيعي أن يدخل في نوبة من الغضب الحاد. كما ذكرنا تعتبر الغيرة من أكثر الأسباب التي تثير الغضب عند الأطفال والسلوك العدواني لديهم، لذا يجب على القائمين على رعاية الطفل الانتباه لهذه المسألة عند التعامل معه أو مع من يغار منهم، بالإضافة لإعطائه القدر الكافي الذي يتوقعه من الرعاية والاهتمام والحب والتقدير، كذلك عدم مقارنته مع أحد بهدف تحفيزه على شيء معين. من الضروري أن تعمل على ملء أوقات فراغ طفلك ببعض الأنشطة المحببة له والمفيدة في الوقت نفسه، كمشاهدة بعض برامج التلفزيون المفيدة له، وتشجيعه على اللعب مع أقرانه أو ممارسة هواية جديدة، فالطفل الذي يشعر بالفراغ سيزيد بالطبع تفكيره واهتمامه بالمشاكل بطريقة سلبية؛ وبالتالي تزداد احتمالات شعوره بالغضب والتوتر على أتفه الأسباب. انشر أجواء الاستقرار والتفاهم والتعاون والمحبة في المنزل أو غرفة الصف، كذلك قلل أسباب التوتر والخلافات الأسرية؛ بعدم معالجتها أو مناقشتها أثناء وجود الطفل، فهو كثيراً ما يتعلم الغضب من خلال تقليد ما يلاحظه على أحد والديه. لا تكبت انفعالات الطفل بصورة مبالغ فيها؛ فهذا قد يؤدي إلى زيادة العناد أو اعتياد الطفل على عدم التعبير عن مشاعره وعن رغباته، ولجوئه لأساليب أخرى قد تكون أكثر خطورة من الغضب لتفريغ مشاعره كالسرقة مثلاً أو تخريب الممتلكات بشكل سري، ومن جهة أخرى يجب عدم مسايرة الطفل أو الرضوخ لرغباته عند استخدامه لسلاح الغضب، فسوف تؤدي الاستجابة لطلباته في هذا الموقف إلى اعتبار الغضب وسيلة ناجحة للضغط على الوالدين بهدف تحقيق رغباته، وبالتالي سيعيد الكرة دائماً.وبذلك، نكون قد أوضحنا لك في هذا المقال تعريف الغضب عند الأطفال وأنواعه وأسبابه وكيفية تعليم الطفل إدراة غضبه وسلوكه العدواني، فاحرص على التعامل مع طفلك بالطريقة المناسبة لكل موقف، ولا تبالغ في رد فعلك أو تنفعل بشدة نتيجة لسلوكه الخاطئ، لأن الأطفال يكتسبون مشاعرهم ممن حولهم، ويقلدون تصرفاتهم....
الأطفال مثل الكبار يغضبون، ويعترضون، ويصرخون، ولكن خبرتهم في التعرف على مشاعرهم وكيفية التعامل معها تكون ضعيفة، لم تتشكّل ولم تُصقل بعد، بل ورُبما يجهلون أن ما يشعرون به هو "غضب"، ويجهلون أيضا ما الذي يستحق الغضب لأجله، وما الذي يُغضبهم بالأساس. على الجانب الآخر، وفي الكثير من الأحيان، لا يتعامل الأهل مع غضب الطفل بطريقة صحيحة، مما يُضاعف المشكلة. مثلا، الكثير منا يعرف "كيفن"، الطفل الغاضب ذو السنوات الثمانية في فيلم "وحيد في المنزل" (Home Alone)، المعترض على كل ما يحدث في المنزل. لم تُساعده أمه في تجهيز حقيبة السفر، لا يُريد ابن عمه المبيت معه في الغرفة، ولم يحصل على قطعة البيتزا التي طلبها. غاضب وحانق، وكل مَن في المنزل مُستاؤون منه ومن تصرفاته. "كيفن" يرى أن غضبه مُبرَّر، بل ويدفعه بركان غضبه إلى التمني أن يعيش أياما خالية من العائلة. ما صُوِّر أمام هذه الكاميرا يُحاكي واقعا موجودا. هذا بالطبع يقع على عاتق الأهل، وفي بعض الأحيان قد يرتكبون أخطاء تزيد من تأزّم وعي الطفل بمشاعره وكيفية التعامل معها، فأغلب ما يتشرّبه الطفل في صغره يبقى عالقا، بصورة أو بأخرى، معه حتى كبره. وفهم المشاعر والتكيف معها يُعتبر لبنة الأساس في تأسيس الذكاء الاجتماعي الذي سيلعب دورا مهما في حياة الطفل الاجتماعية وعلاقاته مع الغير، إذ تلعب الوراثة دورا في الذكاء، ولكن الذكاء الاجتماعي قابل للتعليم، ويحتمل الخطأ والصواب (1). فما الأخطاء التي يرتكبها الأهل في التعامل مع نوبات الغضب الجديدة كليا على الطفل وخبرته، وكيف يُمكن تعليم الطفل فهم هذه المشاعر والتحكم بها؟ كيف يُمكن التمييز بين نوبات الغضب المُتقطعة وبين الطفل الغاضب كشعور دائم؟ وجَّهنا هذا السؤال للمستشار التربوي الأسري الدكتور خليل الزيود، وأجاب لـ "ميدان" أنه قبل البَتّ في موضوع التمييز، علينا أولا طرح العديد من الأسئلة: كم يبلغ عمر الطفل؟ متى حدث الموقف؟ كيف ولماذا حدث؟ وماذا فعل أثناء نوبة الغضب؟ يُوضح د. الزيود أن هذه التساؤلات تُساعدنا كأهل على التمييز بداية إن كانت نوبة غضب طبيعية، أم أن هذا ما يطفو على السطح ويُنبئ بما هو أكبر من نوبة الغضب ويجب التعامل معه. ويضيف أنه من الطبيعي أن يبكي الطفل إن كان جائعا أو يُريد دخول الحمام، ولكن ليس من الطبيعي أن نجد الطفل البالغ من العمر سبع سنوات يُصاحب نوبات غضبه بتحطيم الزجاج مثلا، أو التلفظ بالشتائم المُلازمة للصراخ. ومن الطبيعي أن يغضب الطفل ذو السنوات الخمس إن ابتعدت أمه عنه، ولكن ليس من الطبيعي أن يبكي ويغضب ويفتقد معلمته منتصف الليل -مع التكرار-. في كتابها "حلول التربية الوالدية"، تُقدِّم الخبيرة ميشيل بوربا مجموعة من النصائح التي تُساعد الأهالي في التعامل مع سلوكيات الأطفال الصعبة، من بينها الغضب، وكيفية التعامل مع الطفل الغاضب. تُوضِّح أنه من خلال مسيرتها الطويلة بالعمل كمستشارة تعليمية في المدارس، فإنها ترى توجُّها متزايدا في مسائل العنف والغضب، وترى أن النشرات الإخبارية، والعنف الذي تُذاع صوره في كل الوسائط، ألعاب الفيديو، الإنترنت، الأفلام، وحتى كلمات الأغاني، جميعها تُنتج أطفالا يرون الغضب والعُنف هو الطريقة الوحيدة لحل المشكلات. ولكنها تُبشِّر قُرَّاءها أنه بجانب كل خبر سيئ هناك -بالضرورة- خبر جيد، فتقول إن العُنف يُكتسب، وهذا يعني أن الهدوء مُكتسب أيضا، كلاهما قابلان للتعلُّم من خلال الالتزام ببعض التقنيات والخطوات، وهي كفيلة بمنع تطور السلوك العدواني الذي يُرهق الطفل أساسا. (2) من جانبه، يخبر د. الزيود "ميدان" أن الحرمان الوالدي، وكثرة الوعود غير الموفى بها، والمقارنة السلبية، والشجار المستمر بين الوالدين، جميعها أسباب تجعل من الغضب ضيفا ملازما للبيئة التي يعيش فيها الطفل، ويُصبح أمرا اعتياديا "غير مُنتقد" في نظر الطفل. مع تأكيده أن الحرمان قد يكون بأحد شقَّيْ المُعادلة، النفسي والمادي، فالطفل يتعامل مع المحسوسات بشكل لافت للانتباه، وسيؤثر عليه أن يكون مُشبعا عاطفيا ومحروما ماديا، أو العكس، فمن الضروري الموازنة والتعزيز بتساوٍ معقول بين جانبَيْ هذه المعادلة. وبما يخص المقارنة السلبية بين الإخوة أو الأقارب، يؤكد الدكتور الزيود أنها أمور ستجعل الحقد والغضب والكبت أمورا موجودة بشكل مستمر، لأن الطرف المقارن به موجود بشكل مستمر في بيئة الطفل، ويشمل هذا الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات، فوصول مولود جديد، طفل جديد، أخ جديد، هو أمر يؤجج الغضب وسيسلب منه الاهتمام الذي كان يُصب فوقه دون مشاطرة، ويصفها الدكتور الزيود "المنافسة التي لم تكن بالحُسبان". كيف نُساعد الطفل على فهم مشاعره؟ الغضب، الانفعال، السخط، الكبت، ومجموعة مرادفات أخرى نستطيع أن نستمر في ذكرها وكتابتها، وقائمة أخرى من التصورات والأوصاف التي اعتدنا سماعها مثل "يغلي دمه" أو "عندما يغضب يُصاب بالعمى". هذا بالفعل يُشبه ما يتعرّض له الأطفال من مشاعر يجهلون أنها "تغلي دمهم" أو تُهيّجهم، ووظيفة الأهل هُنا أن يرسموا خطوطا عريضة تُحدِّد للطفل الملامح الجديدة عليه التي يضطر أن يفهمها ويتعامل معها. في حديثه مع "ميدان" يؤكد الدكتور الزيود أهمية الاتفاق على أن التنسيق بين كلمتَيْ الأم والأب، وهي أهم خطوة في هذه العملية، فيرى أن التنسيق "مدار رحى العمل" والتي يرى الطفل من خلاله أن الوالدين لا يتناقضان في التعامل معه، فالحرمان متفق عليه من كليهما، والعطاء كذلك. ويُشير إلى أن الخطأ رقم واحد هو التناقض، أن يكون الأب متساهلا في موقف ما والأم العكس، أو التذبذب في القرارات الصادرة في حق الطفل، هذا كفيل بأن يجعل بيئة الطفل بطابع غير واضح القوانين وهُلامي، وانطلاقا من هذه الملاحظة قدّم الدكتور الزيود مجموعة من النقاط التي تُساعد الطفل على تمييز مشاعره وفهمها: * توضيح سبب منع أو منح الطفل التعزيز المتفق عليه.* التحدث مع الطفل بشكل مباشر وبكلمات واضحة وذات رسالة تحمل فكرة واحدة للطفل.* إن كان يُحسن الكلام، يُفضَّل أن يُطلب منه إعادة ما فهمه من والديه، فهذا يُسهِّل فهم شخصيته والتعامل معه.* عدم التراجع عن الاتفاق معه، إلا إذا اتفقا مع بعضهما على هذا التراجع، مع ضرورة توضيح هدف التراجع للابن.* السعي الدؤوب لعدم التراجع عن القرارات بسبب صراخ الطفل أو غضبه، وإلا سيتعلّم أنه كلما أراد شيئا فالسبيل هو الصراخ.* مكافأة الطفل كلما أبدى التزاما، مع توضيح سبب المكافأة أو التعزيز.* في حال وجود أي خلاف بين الوالدين، من الضروري توضيح هذا للطفل مع التأكيد أنه لا علاقة له بالأمر وعدم جرّه ليكون مادة في خلافهم. هل يُترك غاضبا؟ في نهاية حديثه مع "ميدان" يجيب الدكتور خليل الزيود عن الاستفسار الذي ربما هو النصيحة المتوارثة الأشهر التي تقول: في حال بكى الطفل أو غضب "اتركوه"، فهل هذه نصيحة مجدية؟ يقول إنه إذا كان سبب الغضب معروفا ومفهوما فيُمكن أن يُترك الطفل للتعبير عن غضبه، ولكن دون تجاهل. فبمجرد أن يهدأ، يجب أن يُناقَش وأن يفهم أن تصرفه خاطئ، بشرط ألّا يكون سبب الغضب الأهل وتأخرهم مثلا عن حاجة بيولوجية للطفل، فهُنا لا يُمكن في أي حال من الأحوال أن يكون هذا خطأ الطفل. وينصح الدكتور الزيود بفهم ما يزعج الطفل أو يوتره، ومحاولة نزع كل ما يُمكن أن يتسبّب في ذلك، وفي حال أبدى الطفل غضبا أمام الناس، فمن واجب الأهل هُنا أن يؤكدوا للمحيطين عدم التعامل مع الطفل أثناء نوبة غضبه، وأنهم -أهله- أكفأ في التعامل معه، ولا مانع من استشارة مختص ليعطيهم إجابات علمية شافية. خطأ مَن؟تتساءل كيم كونستيبل عبر منصة "تيد" فتقول: "عصيان الأطفال، خطأ مَن؟"، وتُشارك أحداثا من واقع حياتها، فتسرد قصتها قائلة إنها في يوم من أيام الأمومة العادية، بينما تُحضِّر وجبة الغداء، لمحت الساعة لتكتشف أنها متأخرة على موعد ما. كان طفلاها آنذاك مندمجين بمشاهدة برنامجهم المفضل على شاشة التلفاز، فهرعت للملمة حاجياتها وإعلان انتهاء وقت التلفاز موجهة أوامر "شبه عسكرية" لأطفالها مطالبة إياهم بالتوجه للسيارة بأسرع وقت ممكن. طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات رفض أن يُغادر مكانه، غاضبا مطالبا باستكمال مشاهدة برنامجه، ولكنه ليس القبطان هنا، لا مجال للرأي الآخر، فحملته ودفعته لداخل سيارتها، وبدأت بالقيادة بينما يصرخ، تطلب منه بهدوء أن يصمت ولكنه يصرخ، تصرخ هي الأخرى ولكنه لا يهدأ ويستكمل نوبة الصراخ التي أفقدتها أعصابها، فركنت سيارتها على جانب الطريق، وترجّلت متوجِّهة للباب الخلفي مواجهة طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات وقالت بصراخ شديد: "إما أن تصمت، وإما أن أتركك هنا في الشارع وأمضي". حسنا، من الطبيعي أن يختار الطفل أن يصمت، مرغما، ولكنها تقول إن طفلها يبلغ من العمر الآن إحدى عشرة سنة، وأكثر ما يُهدِّده أو يؤجج مشاعر الغضب هو أن يرى ملامح شخص على استعداد أن "يصرخ في وجهه"، كرفع حاجب مثلا، وهذا بدوره منعه من التفاعل، والمشاركة، والتجربة. وتقول إن صغير الفيل تُقيَّد قدمه كي لا يتحرك أو يهرب، وكل محاولة منه تتسبّب في جروح مؤلمة، مع الوقت يفهم صغير الفيل أن هجر المحاولة هو ما يُخفِّف الألم. يكبر الفيل، ويصبح بجسد ضخم، ومع ذلك ما إن يُقيَّد بقيد يُكسر بسهولة فإنه لا يُحاول من الأساس، قُتِل أي طيف للمحاولة. وهذا ما يحدث لأطفالنا إن تمادينا في الغضب منهم، بعض الأمور التي تُغضب الأهل لا تكون من مسؤولية الطفل أساسا، التأخر على موعد، مشاجرة مع صديقة، احتراق الكيك، حادث السيارة، وغيرها من الأمور الحياتية. الطفل هو المكان الأكثر خطأ لتفريغ غضبك....
بالنقر فوق "قبول جميع ملفات تعريف الارتباط" ، فإنك توافق على أن قيم يمكنه تخزين ملفات تعريف الارتباط على جهازك والكشف عن المعلومات وفقًا لسياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.
سياسة ملفات الارتباط.