إذا ما ألقينا نظرة فاحصة وجادة على نظريات اللعب فإننا نرى أن هذه النظريات في معظمها تكمل بعضها بعضاً فنظرية الطاقة الزائدة ترى أن اللعب ليس مجرد تخلص من طاقة موجودة إنما يستفاد من هذه الطاقة في إعداد الكائن الحي للمستقبل وفيما يتعلق بالنظرية التلخيصية فإن الفرد عندما يلعب يعبر عن دوافعه التي يشترك فيها مع من سبقوه في سلم التطور وبهذا يبدو كأنه يلخص نشاط الماضي ولكن هذا لا يدفعنا إلى الأخذ بالنظرية التلخيصية بعدها شرطاً من شروط النمو فالنمو يخضع لقوانين عامة تشترك فيها الأفراد والجماعات والنظريتان التنفسية والتحليلية تشتركان مع بعض النظريات السابقة فهناك تشابه كبير بين النظرية التنفيسية ونظرية الطاقة الزائدة غير أن الأمر ليس مجرد تنفيس عن انفعالات مكبوتة وإنما هو نشاط يؤدي إلى إعادة الاتزان في حياة الطفل ويمكننا أن نرى أن الوظيفة الأساسية للعب هي الوظيفة الإعدادية أما الوظائف الأخرى فيمكن أن نعدها وظائف ثانوية وعلى الرغم من أن هذه التفسيرات التي ذكرناها في بعض نظريات اللعب تظهر وكأنها مختلفة فإن معظم هؤلاء العلماء يؤكدون حقيقة واحدة تتمثل في أن اللعب يقوم في أساسه على الحاجات الغريزية البيولوجية أما رغبات الطفل وأهواؤه - حسب رأيهم - فتنشأ بصورة عفوية وتنضج مع نموه وتظهر في ألعابه بغض النظر عن الطريقة التي يربى وفقها وعن مكان عيشه ومن يقوم بهذه التربية ...
إن نظرية جان بياجه في اللعب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسيره لنمو الذكاء ويعتقد بياجه أن وجود عمليتي التمثل والمطابقة ضروريتان لنمو كل كائن عضوي وأبسط مثل للتمثل هو الأكل فالطعام بعد ابتلاعه يصبح جزءاً من الكائن الحي بينما تعني المطابقة توافق الكائن الحي مع العالم الخارجي كتغيير خط السير مثلاً لتجنب عقبة من العقبات أو انقباض أعصاب العين في الضوء الباهر فالعمليتان متكاملتان إذ تتمم الواحدة الأخرى كما يستعمل بياجيه عبارتي التمثل والمطابقة في معنى أعم لينطبقا على العمليات العقلية فالمطابقة تعديل يقوم به الكائن الحي إزاء العالم الخارجي لتمثل المعلومات كما يرجع النمو العقلي إلى التبادل المستمر والنشط بين التمثل والمطابقة ويحدث التكيف الذكي عندما تتعادل العمليتان أو تكونان في حالة توازن وعندما لا يحدث هذا التوازن بين العمليتين فإن المطابقة مع الغاية قد تكون لها الغلبة على التمثل وهذا يؤدي إلى نشوء المحاكاة وقد تكون الغلبة على التعاقب للتمثل الذي يوائم بين الانطباع والتجربة السابقة ويطابق بينها وبين حاجات الفرد وهذا هو اللعب فاللعب والتمثل جزء مكمل لنمو الذكاء ويسيران في المراحل نفسها ويميز بياجيه أربع فترات كبرى في النمو العقلي :1. فالطفل حتى الشهر الثامن عشر يعيش مرحلة حسية حركية إذ يبدأ الطفل في هذه المرحلة بانطباعات غير متناسقة عن طريق حواسه المختلفة وذلك لعدم قدرته على تمييز هذه الانطباعات من استجاباته المنعكسة لها ويحصل التناسق الحركي والتوافق تدريجياً في هذه المرحلة حيث تصبح هذه الأمور ضرورية لإدراك الأشياء ومعالجتها يدوياً في المكان والزمان 2. وفي المرحلة التالية الواقعة بين عامين وسبعة أو ثمانية أعوام - وهي المرحلة التشخيصية تنمو حصيلة الطفل الرمزية واللفظية فيصبح قادراً على تصور الأشياء في غيابها ويرمز إلى عالم الأشياء بكامله مع ما بينها من علاقات وهذا يتم من خلال وجهة نظره الخاصة ولا يستطيع الطفل في هذه المرحلة تجميع الأشياء وفق خصائصها المشتركة بل يصنفها تصنيفاً توفيقياً إذ استرعى انتباهه شيء ما مشترك بين مجموعة أشياء 3. وفي المرحلة الثالثة في الحادية عشرة أو الثانية عشرة يصبح الطفل قادراً على إعادة النظر في العمليات عقلياً بالنسبة للحالات المادية فقط ومع تقدم النمو يتوزع الانتباه وتصبح العمليات القابلة لإعادة النظر ممكنة عقلياً في بادئ الأمر ثم تنسق مع بعضها حتى ينظر إلى العلاقة المعينة كحالة عامة لكل فئة 4. وفي المرحلة الرابعة - مرحلة المراهقة - تصبح العمليات العقلية عمليات مجردة تجريداً تاماً من الحالات المحسوسة جميعها وفي كل مرحلة من هذه المراحل تنمو مدارك الطفل بالتجربة من خلال التفاعل والتوازن بين مناشط التمثل والمطابقة لأن التجربة وحدها لا تكفي وترجع الحدود الفطرية في النمو لكل مرحلة إلى نضج الجهاز العصبي المركزي من جهة وإلى خبرة الفرد عن البيئة المحيطة من جهة أخرى ويبدأ اللعب في المرحلة الحسية الحركية إذ يرى ( بياجيه ) أن الطفل حديث الولادة لا يدرك العالم في حدود الأشياء الموجودة في الزمان والمكان فإذا بنينا حكمنا على اختلاف ردود الأفعال عند الطفل فإن الزجاجة الغائبة عن نظره هي زجاجة مفقودة إلى الأبد وحين يأخذ الطفل في الامتصاص لا يستجيب لتنبيه فمه وحسب بل يقوم بعملية المص وقت خلوه من الطعام ولا يعد هذا لعباً حتى ذلك الوقت لأنه يواصل لذة الطعم وينتقل سلوك الطفل الآن إلى ما وراء مرحلة الانعكاس حيث تنضم عناصر جديدة إلى رد الفعل الدوري بين المثيرات والاستجابات ويقلل نشاط الطفل تكراراً لما فعله سابقاً وهذا ما يطلق عليه بياجيه التمثل الاسترجاعي ومثل هذا التكرار من أجل التكرار هو في حد ذاته طليعة اللعب وليس هناك ما يلزم بياجيه بافتراض وجود خاص للعب طالما يرى فيه مظهر من مظاهر التمثل الذي يعني تكراراً لعمل ما بقصد التلاؤم معه وتقويته وفي الشهر الرابع يتناسق النظر واللمس عند الطفل ويتعلم أن دفع الدمية المعلقة في سريره يجعلها تتأرجح وإذا ما تعلم الطفل عمل شيء ما فإنه يعيد هذا العمل مراراً وهذا هو اللعب ابتهاج ( وظيفي ) وابتهاج لأنه سبب نابع من تكرار الأفعال التي يتم التحكم بها فإذا ما تعلم الطفل كشف الأغطية بغية البحث عن الدمى والأشياء الأخرى يصبح هذا الكشف في حد ذاته لعبة ممتعة لدى الطفل من الشهر السابع وحتى الثاني عشر من عمره فاللعب لم يعد تكراراً لشيء ناجح بل أصبح تكراراً فيه تغيير وفي أواخر المرحلة الحسية الحركية يصبح العمل ممكناً في حال غياب الأشياء أو وجودها مع الإدعاء والإيهام فاللعب الرمزي أو الإيهام يميز مرحلة الذكاء التشخيصي الممتدة من السنة الثانية إلى السابعة من العمر فالتفكير الأولي يتخذ شكل الأفعال البديلة التي لا تزال منتمية إلى آخر تصورات الحركة الحسية أما اللعب الرمزي الإيهامي فله الوظيفة نفسها في نمو التفكير التشخيصي كالوظيفة التي كان يقوم بها التدريب على اللعب في المرحلة الحسية الحركية إذ أنه تمثل خالص وبالتالي يعمل على إعادة التفكير وترتيبه على أساس الصور والرموز التي يكون قد أتقنها كذلك يؤدي اللعب الرمزي إلى تمثل الطفل لتجاربه الانفعالية وتقويتها ومع ذلك فالصفة الخاصة للعب الإيهامي تستمد من الصفة الخاصة لعمليات الطفل العقلية في هذه المرحلة ويصبح اللعب الإيهامي في المرحلة التشخيصية أكثر تنظيماً وإحكاماً ومع نمو خبرات الطفل يحدث انتقال كبير إلى التشخيص الصحيح للحقيقة وهذا ما يتضمن المزيد من الحركات الحسية والتدريبات الفعلية بحيث يصبح اللعب ملائماً بشكل تقريبي للحقيقة ويصبح الطفل في الوقت نفسه أكثر مطابقة للمجتمع وينتقل الطفل في الفترة الواقعة بين الثامنة والحادية عشرة إلى اللعب المحكوم بالنظم الجماعية الذي يحل محل ألعاب الإيهام الرمزية السابقة وعلى الرغم من أن هذه الألعاب التي تحكمها القواعد تتكيف اجتماعياً وتستمر حتى مرحلة البلوغ فإنها تظل وكأنها تمثل أكثر منها مواءمة للحقيقة وتضفي نظرية بياجيه على اللعب وظيفة بيولوجية واضحة بوصفه تكراراً نشطاً وتدريباً يتمثل المواقف والخبرات الجديدة تمثلاً عقلياً وتقدم الوصف الملائم لنمو المناشط المتتابعة مما تقدم نستخلص أن نظرية بياجيه في اللعب تقوم على ثلاثة افتراضات رئيسة :1- إن النمو العقلي يسير في تسلسل محدد من الممكن تسريعه أو تأخيره ولكن التجربة لا يمكن أن تغيره وحدها 2- إن هذا التسلسل لا يكون مستمراً بل يتألف من مراحل يجب أن تتم كل مرحلة منها قبل أن تبدأ المرحلة المعرفية التالية 3- إن هذا التسلسل في النمو العقلي يمكن تفسيره اعتماداً على نوع العمليات المنطقية التي يشتمل عليها...
يرى فيجوتسكي أن الطفل الصغير يميل إلى إشباع حاجاته بصورة فورية ويصعب عليه تأجيل هذا الإشباع لفترة طويلة ولكن مع تقدم الطفل في العمر ودخوله في سن ما قبل المدرسة فإن كثيراً من رغباته تظهر تلقائياً ويعبر عنها من خلال اللعب وإن لعب الطفل في هذه المرحلة هو دوماً التحقيق التخيلي والوهمي للرغبات التي لا يمكن تحقيقها فالمخيلة في هذه الحال تشكيل جديد ليس له وجود في وعي الطفل الصغير جداً وإنما يمثل نموذجاً إنسانياً خاصاً للنشاط الواعي فاللعب التخيلي إذا لا يعد نمطاً من أنماط اللعب وإنما هو اللعب ذاته حيث يبدع الطفل فيه موقفاً تخيلياً من ذخيرته الفكرية ويرى فيجزتسكي أن للعب دوراً رئيساً في نمو الطفل فالنشاط التخيلي وإبداع الأهداف وصوغ الدوافع الاختيارية كل ذلك يظهر من خلال اللعب ويجعله في أعلى مراحل نمو ما قبل المدرسة فيجوتسكي يرى أن اللعب يحتوي على الميول النمائية كلها ويسهم في تحقيق ما يلي :1- التفكير المجرد :إذ يعد اللعب مرحلة ممهدة لا بد منها لتنمية التفكير المجرد وعندما يكبر الطفل فإن الفرصة تصبح متاحة أمامه لاستخدام اللعب دون وعي وفي مرحلة ما قبل المدرسة ينقلب اللعب إلى عمليات داخلية وفكر مجرد 2- ضبط الذات :إن التزام الطفل بقواعد اللعب وأنظمته يوفر له متعة قصوى حيث يحول الالتزام دون تحقيق رغباته المباشرة وبذلك يتعلم الطفل أن يسيطر على حوافزه ويضبطها 3- اللعب نشاط رائد لا مجرد نشاط سائد :إذ بفضل هذه القوة النمائية يتجاوز الطفل من خلال اللعب عمره الواقعي ولهذا يعد اللعب أفضل مجال نمائي حيوي للطفل إنه بهذا حقل النمو ومختبره الأمثل وهكذا نرى أنه في الوقت الذي يرفض فيه فيجوتسكي عد المتعة أساساً لتعريف اللعب فإنه يرفض بالمقابل عد اللعب نشاطاً غير هادف إذ يرى أن الطفل يشبع من خلال اللعب حاجات وحوافز معينة تتغير من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى إن العلماء الروس قبل الثورة والسوفييت بعدها يفسرون اللعب بصورة أخرى( فقد أيد كل من أي سيكورسكي وب فكابتيروف و بف ليفافت و كد أوشينسكي تفرد اللعب كنشاط إنساني أصيل ) ( لوبلينسكايا 1980 ص 153 ) ...
يتخذ لعب الأطفال أشكالاً وأنماطاً متباينة فالأطفال لا يلعبون بدرجة واحدة من الحيوية والنشاط كما لا يلعب الطفل نفسه في كل وقت بشكل أو نمط واحد لا يتغير وإذا عددنا أن اهتمامات الأطفال باللعب لها خط نمائي فليس من الضروري أن نعد لعب الأطفال يجري بصورة مطلقة إذ تتحكم فيه عوامل كثيرة متباينة ومختلفة منها ما يلي :العامل الجسدي :من المسلم به أن الطفل الصحيح جسدياً يلعب أكثر من الطفل المعتل الجسد كما أنه يبذل جهداً ونشاطاً يفرغ من خلالهما أعظم ما لديه من طاقة وتدل ملاحظات المعلمين في المدارس الابتدائية والمشرفين على دور الحضانة ورياض الأطفال إن الأطفال الذين تكون تغذيتهم ورعايتهم الصحية ناقصة هم أقل لعباً واهتماماً بالألعاب والدمى التي تقدم إليهم ولا شك أن مستوى النمو الحسي - الحركي في سن معينة عند الطفل يلعب دوراً هاماً في تحديد أبعاد نشاط اللعب عنده فقد تبين أن الطفل الذي لا يملك القدرة على قذف الكرة والتقاطها لا يشارك أقرانه في الكثير من ألعاب الكرة كما أن النقص في التناسق الحركي عند الطفل ينتهي به إلى صده وإعاقته عن ممارسة الألعاب التي تعتمد بصورة أساسية على التقطيع والتركيب والرسم والزخرفة والعزف وقد كشفت الدراسات التي أجريت على استخدام مواد من لعب الأطفال أن اللعب يتوقف إلى حد كبير على مستوى الاتساق العصبي العضلي الذي بلغه الطفل العامل العقلي :يرتبط لعب الطفل منذ ولادته بمستوى ذكائه فالأطفال الذين يتصفون بالنباهة والذكاء هم أكثر لعباً وأكثر نشاطاً في لعبهم من الأطفال الأقل مستوى من الذكاء والنباهة كما يدل لعبهم على تفوق وإبداع أعظم وتبدو الفروق الفردية بين هذين النموذجين من الأطفال واضحة في نشاط لعبهم منذ العام الثاني فسرعان ما ينتقل الطفل الأكثر ذكاء من اللعب الحسي إلى اللعب الذي يبرز فيه عنصر الخيال والمحاكاة جلياً واضحاً عنده ولا يتضح هذا التطور في لعب الأطفال الأقل ذكاء إذ أن لعبهم يأخذ مع انقضاء الشهور والسنوات شكلاً نمطياً لا يبرز من خلاله مظهر أساسي للتغير فيبدو تخلفهم عن أقرانهم من السن نفسها في نشاط لعبهم وأنواعه وأساليب ممارستهم فيه أما بالنسبة لاختيار مواد اللعب وانتقائها فإن الأطفال العاديين أو ذوي المستويات الأعلى في الذكاء يظهرون تفضيلاً لمواد اللعب التي تعتمد إلى حد كبير على النشاط التركيبي البنائي بنسبة أعلى من الأطفال ذوي العقول الضعيفة كما يهتم الأطفال العاديون والأذكياء بمواد لعبهم التي يختارونها فترة أطول وأكثر ثباتاً من أولئك ضعاف العقول وقد دلت بعض الدراسات أن الأطفال الذين كانت نسب ذكائهم عالية في مرحلة ما قبل المدرسة قد أبدوا اهتماماً واضحاً بالأجهزة والمواد التي تستخدم في الألعاب التمثيلية والفعاليات التي تتطلب الابتكار وتصبح هذه الفروق بين الأطفال من النموذجين أكثر وضوحاً كلما تقدمت بهم السن ويبدي الأطفال المرتفعو الذكاء اهتماماً بمجموعة كبيرة من نشاطات اللعب ويقضون في ذلك وقتاً أطول ويكونون أكثر ميلاً إلى الألعاب الفردية من ميلهم إلى الألعاب الجماعية وهم أقل اشتراكاً في الألعاب التي تحتاج إلى نشاط جسمي قوي على عكس الأطفال ذوي الذكاء المتوسط كما أن النابهين يميلون إلى الألعاب الرياضية ويكون ميلهم أكثر إلى الألعاب العقلية وهم يستمتعون بالأشياء جميعها وتتكون لديهم هوايات مختلفة أكثر من الأطفال الآخرين ويبدو عامل الذكاء عند الأطفال في القراءة خاصة فالميل المبكر إلى القراءة والقدرة على القراءة يتجليان عند الأطفال ذوي النسب العالية من الذكاء فيقضي الأطفال المرتفعو الذكاء في كل مرحلة عمرية وقتاً أكبر في القراءة كما تنصب اهتماماتهم القرائية على أنواع معينة فيستمتع الأطفال الموهوبون بقراءة القواميس والموسوعات والعلم والتاريخ والأدب ولا يبدون اهتماماً بالحكايات الخرافية مع أنهم يفضلون الروايات البوليسية على قصص المغامرات العنيفة عامل الجنس :تقوم في معظم المجتمعات فروق بين لعب الصبيان ولعب البنات وهذه الفروق تلقى التشجيع الإيجابي من الكبار ففي مجتمعنا يسمح لصغار الصبيان باللعب بعرائس أخواتهم دون سخرية أو اعتراض وقلما تقدم لهم عرائس خاصة بهم وإن كان يسمح لهم بدمى من الدببة والحيوانات المحنطة فالصبي في سن السابعة يحتمل أن يكون موضع سخرية إذا أكثر من اللعب بالدببة المحشوة ووضعها في مهد صغير خاصة إذا كرر ذلك مرات عدة وكذلك البنات يجدن المتعة بدمى السيارات والقطارات مع أن هذه الدمى قلما تقدم لهن هدايا والبنات الأكبر سناً لا يشجعن على القيام بالألعاب الخشنة التي يوصفن بسببها بأنهن ( مسترجلات ) كما أن الصبيان الذين يهربون من الألعاب الخشنة أو يفضلون القراءة أو العزف على البيانو يتعرضون لتسميتهم بالمخنثين وتختلف في المجتمع الغربي تنشئة الصبيان عن البنات اختلافاً كبيراً فالأطفال بصفتهم أفراداً معرضون للمواقف المناسبة والوسائل التدريبية على اختلاف درجاتها فالصبيان في سن الثالثة بأميركا الشمالية أظهروا فروقاً جنسية في الروح العدوانية وذلك من خلال لعبهم بالعرائس الصغيرة أما الصبيان في سن الرابعة فقد كان أكثر انشغالهم بالتهريج والأنشطة التي تعتمد على العضلات القوية بينما لجأت البنات إلى لعبة البيوت أو الرسم وقد أجريت دراسة أخلاقية حديثة على أطفال من الإنكليز في سن الثالثة فكانت نتيجتها أن الصبيان يمارسون لعبة الحرب أكثر من البنات وأن الضحك والقفز علامات تدل على أن مشاجرتهم ودية كما أجريت دراسة قديمة على أطفال أكبر سناً فوجد أن معظم ألعاب الأطفال يؤديها الجنسان من الصبيان والبنات كما وجد أن الاختلاف الأكبر ينحصر في طبيعة اللعب فالصبيان بصورة عامة أكثر خشونة ونشاطاً من البنات على الرغم من وجود فروق بين الصبيان والبنات غير الناضجين جنسياً من حيث الوزن والطول والسرعة وربما كان للتساهل الشديد مع سلوك الصبيان العدائي الخشن والذي يفوق التساهل مع البنات تأثير في نوع اللعب الذي يبرز بوضوح في كثير من مجتمعاتنا لكن الاختلاف في اختيار الألعاب عند الجنسين يتوقف على مقدار النشاط حتى في مرحلة قبل البلوغ واحتمال تشكله وتضاعفه أقرب من احتمال تكونه عن طريق التربية الاجتماعية ويظهر التنافس أكثر شيوعاً بين ألعاب الصبيان منه عند البنات في سن العشرين ولا سيما الألعاب التي تتطلب المهارة العضلية والرشاقة والقوة ككرة القدم والمصارعة والملاكمة بينما كانت الزيارة والقراءة والكتابة والمكايدة وغيرها من الألعاب التي تتضمن لغة أكثر شيوعاً بين البنات منها بين الصبيان فيما بين سن الثامنة والخامسة عشرة كذلك تبدو البنات أكثر مهارة لغوية في مقتبل العمر من الصبيان بينما يكن في حالة العدوان أكثر جنوحاً إلى استعمال ألسنتهن من استعمال أيديهن ولعل الحرية التي يتمتع بها الصبيان في الخروج بعيداً عن البيت والإشراف الصارم على البنات هي التي تدفعهم إلى المجتمع وتجعل البنات أقل اعتماداً على أندادهن ففي دراسة أجريت في جنوب غربي المحيط الهادي دلت على أن معاملة الصبيان تختلف اختلافاً كبيراً عن معاملة البنات بدءاً من فترة الفطام فلقد كان الصبيان يبتعدون عن القرية ويلعبون في مجموعات تحت رقابة شاملة من الأفراد الكبار في القرية بينما تبقى البنات في البيت بالقرب من إحدى النساء الطاعنات في السن أما في أوروبا وأميركا فيسمح للبنات بقدر أقل من حرية الحركة ويكون الإشراف عليهن أكثر دقة ويغلب أن يحتفظ بهن قريباً من البيت أكثر من الصبيان وقد أظهرت دراسة حديثة عن الألعاب التي يمارسها الجنسان في أميركا أنه في الوقت الذي تؤدي فيه البنات الألعاب التي تعد ( أنثوية ) من الناحية التقليدية فإن ألعاباً أخرى ( رجولية ) لم يبق فيها اختلاف بين الجنسين مثل كرة السلة وهناك دراسات أقدم من هذه كشفت عن اختلاف أكبر في لعب الصبيان إذا قورن بلعب البنات كما تغيرت الفروق في لعب الصبيان والبنات إلى حد ما خلال السنوات الأربعين الأخيرة عامل البيئة :يتأثر الأطفال في لعبهم بعامل المكان ففي السنوات الأولى يلعب معظمهم مع الأطفال الذين يجاورونهم في المسكن وبعد فترة يلعبون في الشوارع أو الساحات أو الأماكن الخالية القريبة من مسكنهم وبذلك يكون للبيئة التي يعيشون فيها تأثير واضح في الطريقة التي يلعبون بها وفي نوعية الألعاب أيضاً وإذا لم تتهيأ لهم أماكن ملائمة وقريبة من منازلهم للعب أو إذا لم تتوفر مواد اللعب المستخدمة في لعبهم فإنهم ينفقون وقتهم في التسكع أو يصبحون مصدراً للإزعاج وقد أوضحت بعض الدراسات ( مثل دراسات ليهمان 1926 ميري وميري 195 ) أن الأطفال الفقراء يلعبون أقل من الأطفال الأغنياء وربما يرجع السبب ولو جزئياً إلى الاختلاف في الحالات الصحية ولكنه يرجع بصورة أساسية إلى أن البيئات الفقيرة فيها لعب أقل ووقت أقل ومكان أضيق للعب من البيئات الغنية وفي مناطق الريف والصحراء تقل الألعاب بسبب انعزالها ولصعوبة تنظيم جماعات الأطفال كما تقل فيها أيضاً أوقات اللعب وأدواته لأن الأطفال ينصرفون إلى مساعدة الوالدين في أعمالهم وللبيئة أثر واضح في نوعية اللعب فطبيعة المناخ وتوزعه على فصول السنة تؤثر في نشاط اللعب عند الأطفال فيخرج الأطفال للعب في الحدائق شتاء وذلك في المناطق المعتدلة بينما يقومون بالتزحلق على الجليد واللعب في الثلج في المناطق الباردة كما يتحدد الإطار الذي يلعب فيه الأطفال في الأماكن المغلقة في المناطق التي تشتد فيها الحرارة صيفاً في حين ينتقل الأطفال إلى شواطئ البحر وحمامات السباحة في المناطق ذات الحرارة المعتدلة صيفاً ومن الألعاب ما يختص بفصل معين من فصول السنة فلعبة كرة القدم تعد لعبة شتوية بينما السباحة تعد لعبة صيفية وقد تختلف اهتمامات الأطفال باللعب ومواده باختلاف البيئة فالأطفال في المناطق الساحلية تختلف اهتماماتهم عن الأطفال في المناطق الداخلية أو الصحراوية كما أن الأطفال في البيئات الصناعية يهتمون بألعاب تختلف عن ألعابهم في البيئات الريفية العامل الاجتماعي والثقافي :وكما يتأثر لعب الأطفال بالبيئة والجنس والحالة الجسمية والمستوى العقلي كذلك يتأثر أيضا بثقافة المجتمع وبما يسوده من عادات وقيم وتقاليد كما ترث أجيال الأطفال عن الأجيال السابقة أنواعاً من الألعاب تنتشر في المجتمع وتشيع فيه وهي ألعاب كثيرة لا نجد ضرورة لذكرها في هذا المقام ويكشف تقرير الأمم المتحدة الذي أعد عام 1953 عن ألعاب تقليدية تتكرر بين الأطفال في كثير من الشعوب فقد نجد على سبيل المثال أن لعبة الاختفاء تنتشر لدى الأطفال في كثير من البلدان الأسيوية والأوروبية والعربية.وللمستوى الاقتصادي دور رئيس في لعب الأطفال فالمستوى الاجتماعي والاقتصادي يؤثر في نشاطات اللعب كماً وكيفاً على السواء وإذا كانت هذه الفروق لا تتضح خلال سنوات الطفولة الأولى فإنها تظهر واضحة كلما تقدم الأطفال في السن فالأطفال الذين تكون أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية أعلى يكونون أكثر تفضيلاً لنشاطات اللعب التي تكلف بعض الأموال كالتنس مثلاً في حين أن الأطفال الذين تكون أوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية أقل مستوى فإنهم يميلون إلى الألعاب الأقل تكلفة كألعاب كرة القدم ( ونط الحبل ) كما يتأثر الوقت المخصص للعب بالطبقة الاجتماعية فوقت اللعب المتاح للأطفال من السر الفقيرة هو أقل من الوقت المتاح للأطفال من السر الغنية ذلك لأن الأسر الفقيرة تشرك أبناءها في أداء بعض الأعمال والأعباء الاقتصادية وقد ظهر أن للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل أثراً في نوع الكتب التي يقرؤها وفي الأفلام التي يراها والنوادي التي يرتادها فالأطفال الأغنياء يمارسون ألعاباً ذات طابع حضاري كالموسيقى والفن والرحلات والمعسكرات في حين نجد أن الأطفال الفقراء ينفقون وقتاً أعظم في مشاهدة برامج التلفزيون أو اللعب خارج المنزل كما أن للوجتيه القومي أثراً واضحاً في نشاط اللعب وفي توجيه غاياته ...
يتميز لعب الأطفال عن لعب الكبار بعدة مميزات :1- اللعب عملية نمو :ويظهر ذلك في تتبعنا لنمو الطفل منذ ميلاده فإننا نلاحظ أن شكل النشاط بتغير بازدياد نضج الطفل ويلاحظ أن لعب الطفل في بداية حياته يكون بسيطاً لا تعقيد فيه يتألف من حركات عشوائية ومن استثارة لأعضاء الحس وكلما تطور نمو ذكاء الطفل يصبح لعبه معقداً فاللعب بالدمى يجتذب الطفل من سن مبكرة حيث يصل إلى ذروته في العام السابع أو الثامن من عمره ولهذا أطلق على هذه الفترة اسم ( سن اللعب بالدمى ) toy age ويلاحظ أيضاً أن اهتمام الطفل باللعب يبدأ في التغير ويظهر ذلك خلال العام الأول والثاني في حياته المدرسية ففي البداية يكون الطفل مهتماً بألعاب الجري ثم تصبح الألعاب الرياضية القائمة على نظم محددة هي تسليته المفضلة هذا إضافة إلى اهتمامه باتجاهات أخرى كالقراءة أو جمع الأشياء كالطوابع أو الأفلام والصور ويظهر هذا جلياً في مرحلة الطفولة المتأخرة ( 11-12 سنة ) وهي مرحلة الاتزان الحسي الحركي التي تتميز بالرشاقة والقوة والحيوية وسهولة انتقال الحركة وسرعة تعلم المهارات الحركية 2-ارتباط اللعب بعمر الطفل ( كماً ) :يقضي الأطفال أكثر أوقاتهم في اللعب ويتطابق هذا اللعب مع طبيعة النمو في السنوات الأولى لأنها مرحلة نشاط حركي ثم يزداد عدد أنواع اللعب بالتقدم في السن حتى البلوغ ويلاحظ أن ألعاب الحضانة ورياض الأطفال متنوعة كالألعاب التمثيلية واللعب بالمكعبات والماء والطين والرسم والموسيقى أما في مرحلة المدرسة الابتدائية فإن الأطفال يهتمون بالألعاب ذات النشاط الجسمي أكثر من اهتمامهم بالألعاب ذات النمط العقلي أو الجمالي العوامل المؤدية للتناقص الكمي في أنشطة اللعب :ويمكننا أن نرجع التناقص الكمي في أنشطة اللعب عند الأطفال إلى العوامل الآتية :1- تضاؤل مقدار الوقت المتاح للعب بسبب الواجبات الجديدة المفروضة عليه وبسبب الوقت الذي يقضيه في المدرسة وما يتبع ذلك من التزامات خارج المدرسة 2- مسايرة الطفل للضغوط الأسرية والمدرسية والاجتماعية وما يتبع ذلك من التنسيق بين عمله ولعبه 3- تزايد وعي الأطفال بميولهم وقدراتهم والتركيز على نمط واحد من اللعب لفترة طويلة والاستمتاع به 3- ارتباط اللعب بعمر الطفل ( كيفاً ) :في السنة الأولى يغلب على الطفل ألا يطيل في تركيز انتباهه على مؤشر ما فهو ينتقل من لعبة إلى أخرى أو من نشاط إلى آخر ولذلك يجب أن نوفر له عدداً كبيراً من الألعاب ففي السنة الثانية يستطيع الطفل أن يركز انتباهه في نشاط لعب معين لمدة ( 7 ) دقائق في المتوسط تقريباً ويزداد هذا المعدل فيصل إلى ( 12,6 ) دقيقة في الخامسة من عمره ومع تطور نمو الطفل وقدراته واهتماماته فإنه يأخذ في انتقاء ألعاب معينة من هذا العدد الكبير من الألعاب وهكذا نرى أن هذا التحول من ( الكم ) إلى ( الكيف ) في نشاط اللعب عند الطفل يدل على تغيرات كيفية في بنية الشخصية ففي اللعب الاجتماعي مثلاً نلاحظ أن الطفل في المراحل الأولى يلعب مع كثير من الأطفال دون تمييز فهو يلعب معهم أحياناً ويتعارك معهم أحياناً أخرى ثم يصالحهم بعد ذلك وكلما كبر الطفل مال إلى اصطفاء مجموعة معينة من الأصدقاء يعيش معها ويرتبط بها ومن مظاهر ( التحول الكيفي ) في نشاط اللعب عند الأطفال أن النشاط الجسمي يتناقص كلما كبر الطفل على حين نلاحظ ازدياد الميل إلى أنشطة اللعب ذات الطابع العقلي ومما يلاحظ أن لعب الأطفال ولا سيما الصغار منهم يتسم بالتلقائية واللاشكلية فالطفل الصغير يلعب بالكيفية التي يريدها مهما كانت مواد لعبه فهو سعيد مثلاً وهو يلعب بأشياء تخص والديه أو إخوته ولا يراعي في لعبه مواعيد خاصة أو مكاناً معيناً للعب ويلاحظ أنه في مرحلة المراهقة تختفي الكثير من تلقائية اللعب فالمراهق يزهو بارتدائه لزي مميز لبعض الألعاب ويشعر بحاجته إلى أدوات خاصة للعب كمضارب التنس مثلاً ويخضع نشاطه لنظام معين فهو يتفق على مواعيد محددة للقاء رفاقه واللعب معهم في وقت محدد....
اهتم العلماء كثيراً في بيان آثار اللعب في حياة الأطفال فهذا عالم النفس الألماني ( كارل بيولر ) يؤكد أهمية اللعب في النمو العقلي للطفل وهذا العالم الروسي ( ماكارينكو ) يؤكد التأثير البالغ للعب في تكوين شخصية الطفل ومن المؤكد أن للعب فوائده من نواح عديدة وسنوضح فيما يلي فوائد اللعب من النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والخلقية والتربوية 1- من الناحية الجسمية :اللعب نشاط حركي ضروري في حياة الطفل لأنه ينمي العضلات ويقوي الجسم ويصرف الطاقة الزائدة عند الطفل AURPLUS energy outlet ويرى بعض العلماء أن هبوط مستوى اللياقة البدنية وهزال الجسم وتشوهاته هي بعض نتائج تقييد الحركة عند الطفل لأن البيوت الحالية المؤلفة من عدة طوابق قد حدت من نشاط الطفل وحركته فهو يحتاج إلى الركض والقفز والتسلق وهذا غير متوافر في الطوابق الضيقة المساحة فمن خلال اللعب يحقق الطفل التكامل بين وظائف الجسم الحركية والانفعالية والعقلية التي تتضمن التفكير والمحاكمات ويتدرب على تذوق الأشياء ويتعرف على لونها وحجمها وكيفية استخدامها 2- من الناحية العقلية :اللعب يساعد الطفل على أن يدرك عالمه الخارجي وكلما تقدم الطفل في العمر استطاع أن ينمي كثيراً من المهارات في أثناء ممارسته لألعاب وأنشطة معينة ويلاحظ أن الألعاب التي يقوم فيها الطفل بالاستكشاف والتجميع وغيرها من أشكال اللعب الذي يميز مرحلة الطفولة المتأخرة تثري حياته العقلية بمعارف كثيرة عن العالم الذي يحيط به يضاف إلى هذا ما تقدمه القراءة والرحلات والموسيقى والأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية من معارف جديدة وفي إحدى الدراسات التي أجريت على أطفال الرياض والمدارس الابتدائية في بريطانيا في سن (4-7 ) سنوات لوحظ أن الأطفال الذين أبدوا اهتماماً خاصاً باللعب بالسفن وبنائها ونظام العمل فيها زادت حصيلتهم اللغوية وخلاصة الأمر يجب تنظيم نشاط اللعب على أساس مبادئ التعلم القائم على حل المشكلات وتنمية روح الابتكار والإبداع عند الأطفال 3- من الناحية الاجتماعية :إن اللعب يساعد على نمو الطفل من الناحية الاجتماعية ففي الألعاب الجماعية يتعلم الطفل النظام ويؤمن بروح الجماعة واحترامها ويدرك قيمة العمل الجماعي والمصلحة العامة وإذا لم يمارس الطفل اللعب مع الأطفال الآخرين فإنه يصبح أنانياً ويميل إلى العدوان ويكره الآخرين لكنه بوساطة اللعب يستطيع أن يقيم علاقات جيدة ومتوازنة معهم وأن يحل ما يعترضه من مشكلات ( ضمن الإطار الجماعي ) وأن يتحرر من نزعة التمركز حول الذات 4- من الناحية الخلقية :يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي المعنوي لشخصية الطفل فمن خلال اللعب يتعلم الطفل من الكبار معايير السلوك الخلقية كالعدل والصدق والأمانة وضبط النفس والصبر كما أن القدرة على الإحساس بشعور الآخرين " empathic ability " تنمو وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من حياته وإذا كان الطفل يتعلم في اللعب أن يميز بين الواقع والخيال فإن الطفل من خلال اللعب وفي سنوات الطفولة الأولى يظهر الإحساس بذاته كفرد مميز فيبدأ في تكوين صورة عن هذه الذات وإدراكها على نحو متميز عن ذوات الآخرين رغم اشتراكه معهم بعدة صفات 5- من الناحية التربوية :لا يكتسب اللعب قيمة تربوية إلا إذا استطعنا توجيهه على هذا الأساس لأنه لا يمكننا أن نترك عملية نمو الأطفال للمصادفة فالتربية العفوية Laissez Faire التي اعتمدها روسو لا تضمن تحقيق القيمة البنائية للعب وإنما يتحقق النمو السليم للطفل بالتربية الواعية التي تضع خصائص نمو الطفل ومقومات تكوين شخصيته في نطاق نشاط تربوي هادف وقد أجريت دراسات تجريبية على أطفال من سن 5-8 سنوات في ( 18 ) مدرسة ابتدائية وروضة أطفال منها (6) مدارس تجريبية تقوم على استخدام نشاط اللعب أساساً وطريقة للتعليم وقد تراوح وقت هذا النشاط ما بين ساعة إلى ساعة ونصف الساعة يومياً و(12) مدرسة تؤلف المجموعة الضابطة التي لم يكن فيها تقريباً توظيف للعب نشاطاً للتعلم وكشفت نتائج مجموعة المدارس التجريبية عن مستويات متقدمة للنمو في جوانب شخصية الطفل كلها مقارنة بالمستويات الأقل التي ظهرت لدى المجموعة الضابطة ويمكننا تلخيصها فيما يلي :1- نمو مهارة جمع المواد بحرص ودأب ( عند الطفل ) لكي يجعل منها شيئاً تعبيرياً يثير اهتمامه وشغفه 2- الرسم الحر بالأقلام والتعبير الحر عما يراود ( الطفل ) من أفكار في رسومه 3- نمو مهارة الإجابة عن الأسئلة الموجهة إلى الأطفال وتكوين الجمل المفيدة والتعبير الحر المباشر عن أفكارهم 4- نمو مهارة عقد علاقات قائمة على الصداقة والود مع الأطفال والكبار ممن لا يعرفونهم 5- سلوك اجتماعي ناضج في علاقاتهم مع الأطفال الآخرين 6- التمكن من مهارات الكتابة بسرعة ونظافة وإتقان 7- القدرة على تركيز الانتباه على الأعمال المطلوب القيام بها من قبل الأطفال 8- اكتساب مهارات جسمية حركية والإفادة من تدريبات الألعاب الرياضية 9- الانتظام في إنجاز الأعمال والواجبات المطلوبة منهم بدقة وفي المواعيد المحددة 10- زيادة الحصيلة اللغوية والقدرة على التعبير عن موضوعات معينة وقد اهتمت الدراسات التربوية في الاتحاد السوفياتي بلعب الأطفال فقد قامت ( جوكوفسكايا ) بتجارب هامة كان هدفها أن الأطفال يعكسون الظاهرات والأحداث والشخصيات في لعبهم وقد قدمت للأطفال قصة تتحدث عن طفل محب للاستطلاع وطائر طيب نشط في عمله وكان الهدف من ذلك أن يتبنى الطفل في لعبه دور الطفل البطل في القصة وأن يعكس مضمون القصة في لعبه وكانت النتيجة أن الأطفال من سن ( 5-6 ) سنوات ويبلغ عددهم (90) طفلاً استطاع (46) منهم أن ينقلوا مضمون القصة إلى لعبهم وأن (15) من الأطفال استطاعوا أن ينقلوا إلى حد ما مضمون القصة في لعبهم وأن (15) من الأطفال استطاعوا أن ينقلوا إلى حد ما مضمون القصة في لعبهم في حين أن (29) من الأطفال لم يستخدموا إطلاقاً مضمون القصة في لعبهم وهكذا نرى أن اللعب يصبح وسيطاً تربوياً إذا خضع لأهداف تربوية محددة تحقق في إطار خبرات تربوية منظمة وفي هذه الحال يصبح للعب مدخل وظيفي لتعلم الأطفال تعلماً فعالاً....
تعرض كثير من الباحثين لتعريف اللعب وقد جاءت هذه التعريفات على اختلافها ذات سمات مشتركة تتركز في النشاط والدافعية وسنعرض جانباً كبيراً منها يكفي لإعطاء صورة واضحة عن هذا المظهر من مظاهر نشاط الطفل1- سنبدأ بالتعريف الذي يعرضه قاموس التربية لمؤلفه ( Good ) يعرف جود اللعب أنه ( نشاط موجه ( directed ) أو غير موجه ( free ) يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية ويستغله الكبار عادة ليسهم في تنمية سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة العقلية والجسمية والوجدانية ( Good - 1970 ) 2- ويكمل تعريف جود للعب تعريف شابلن له ( chaplin 1970 ) في قاموس علم النفس وهو ( نشاط يمارسه الناس أفراداً أو جماعات بقصد الاستمتاع ودون أي دافع آخر ) 3- يعرف عدس ومصلح ( 1980 ص68 ) اللعب في كتابهما ( رياض الأطفال ) على أنه : ( استغلال طاقة الجسم الحركية في جلب المتعة النفسية للفرد ولا يتم اللعب دون طاقة ذهنية أيضاً ) 4- تعرف كاترين تايلور ( 1967 ) اللعب على أنه: ( أنفاس الحياة بالنسبة للطفل أنه حياته وليس مجرد طريقة لتمضية الوقت وإشغال الذات فاللعب للطفل هو كالتربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والترويح والعمل للكبار )5- يعرف بياجه اللعب على أنه : ( عملية تمثل ( Assimilation ) تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية النماء العقلي والذكاء ) 6- وقد أشار الكاتب الفرنسي كيلوا ( Cailois ) إلى سمات للعب في كتابه ( الألعاب والناس ) ( 1958 Cailois ) ومن هذه السمات :آ- اللعب مستقل ( Separate ) ويجري في حدود زمان ومكان محددين ومتفق عليهما ب- اللعب غير أكيد ( Uncertain ) أي لا يمكن التنبؤ بخط سيره وتقدمه أو نتائجه وتترك حرية ومدى ممارسة الحيلة والدهاء فيه لمهارة اللاعبين وخبراتهم ج- يخضع لقواعد أو قوانين معينة أو إلى اتفاقات أو أعراف تتخطى القواعد المتبعة وتحل محلها بصورة مؤقتة د- إيهامي ( Fictional ) أو خيالي أي أن اللاعب يدرك تماماً إن الأمر لا يعدو كونه بديلاً للواقع ومختلفاً عن الحياة اليومية الحقيقيةولا شك أن اللعب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتربية بل هو كما قال ( روسو ) : أسلوب الطبيعة في التربية ووسيلتها لإعداد الكائن الحي للعمل الجدي في المستقبل ...
يعد اللعب نشاطاً هاماً يمارسه الفرد ويقوم بدور رئيس في تكوين شخصيته من جهة وتأكيد تراث الجماعة أحياناً من جهة أخرى واللعب ظاهرة سلوكية تسود عالم الكائنات الحية - ولاسيما الإنسان -وتمتاز بها الفقريات العليا أيضاً ومن الجدير بالذكر أن اللعب - بوصفه ظاهرة سلوكية - لم ينل ما يستحقه من الدراسات الجادة والبحث المتعمق في الدراسات النفسية والسلوكية ولعل السبب في قصور الدراسات عن تناول مثل هذا الموضوع يعود إلى وضوح الظاهرة وعموميتها أو صعوبة الدراسة الجادة لهذه الظاهرة السلوكية أو كل هذا معاً واللعب في الطفولة وسيط تربوي هام يعمل على تكوين الطفل في هذه المرحلة الحاسمة من النمو الإنساني ولا ترجع أهمية اللعب إلى الفترة الطويلة التي يقضيها الطفل في اللعب فحسب بل إلى أنه يسهم بدور هام في التكوين النفسي للطفل وتكمن فيه أسس النشاط التي تسيطر على التلميذ في حياته المدرسية يبدأ الطفل بإشباع حاجاته عن طريق اللعب حيث تتفتح أمام الطفل أبعاد العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس ويدرك أن الإسهام في أي نشاط يتطلب من الشخص معرفة حقوقه وواجباته وهذا ما يعكسه في نشاط لعبه ويتعلم الطفل عن طريق اللعب الجمعي الذاتي ( self - control ) والتنظيم الذاتي ( self - regulation ) تمشياً مع الجماعة وتنسيقاً لسلوكه مع الأدوار المتبادلة فيها واللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط ففي اللعب يبدأ الطفل في تعرف الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه واللعب لا يختص بالطفولة فقط فهو يلازم أشد الناس وقاراً ويكاد يكون موجوداً في كل نشاط أو فاعلية يؤديها الفرد يقول فولكييه : (( لا يزال اللعب بزوال الطفولة فالراشد نفسه لا يمكن أن يقوم بفاعلية هائلة إلا إذا اشتغل وكأنه يلعب )) فاللعب يمتاز بالحرية والمرونة بينما يتطلب العمل التفكير بالنتائج والانتباه المتواصل ويحتل العمل مكانة هامة في نمو الطفل لكل دوره يختلف في حياة الطفل عنه في حياة الكبار إن العمل ينطوي على إمكانات تربوية وتعليمية هائلة في عملية النمو فنشاط العمل يشبع في الطفل حاجة أصيلة إلى الممارسات الشديدة والفعالة ويكون العمل جذاباً بقدر ما يبعث من مشاعر السرور لدى الطفل نتيجة لمساهمته بالنشاط مع الكبار والأطفال الآخرين فالأطفال الصغار يقومون بمهام عملية منفردة توجههم إليها دوافع ضيقة تتسم بالتركيز حول الذات وهم يعملون بغية الحصول على استحسان الوالدين والكبار ومع تقدم المراحل العمرية تأخذ دوافع العمل في التغير عند الأطفال فطفل الثالثة من العمر يكون العمل لديه أكثر اجتذاباً واستثارة وإذ يقوم بأداء ما يطلب إليه بالاشتراك مع الكبار يشعر بنفسه وكأنه شخص كبير وتأخذ دوافع العمل لدى أطفال السادسة والسابعة والثامنة من العمر في اكتساب مغزى اجتماعي أكثر وضوحاً وللعمل قيمة كبيرة في نمو المهارات اليدوية والقدرات العقلية فالطفل عندما يقلد الكبار وينفذ تعليماتهم يمكنه استخدام ما يتوفر له من أدوات المائدة وأدوات المدرسة فينبغي أن يتعلم انتقاء الأدوات والوسائل والمواد المناسبة لعمل وهدف معينين وأن يتمكن من تحديد الأداءات واستخدامها بتتابع دقيق والعمل إلى جانب ذلك يعد مجالاً لتنمية الإرادة عند الأطفال حيث يقوم الطفل بتحديد مواقف العمل ويخطط لتحقيق الأهداف المرجوة ويحاول التغلب على الصعوبات والمعوقات التي تعترضه ومن خلال العمل تترسخ معالم النمو الاجتماعي والعاطفي للطفل وهكذا نجد أن العمل المنظم تربوياً ينطوي على إمكانات هائلة للنمو المتكامل للطفل بما في ذلك حركاته وإحساساته ذاكراته وانتباهه وتفكيره وفي نشاط العمل تتوفر إمكانات كبيرة لنمو السلوك الهادف والمثابرة والإرادة والمشاعر الإنسانية الراقية...
بالنقر فوق "قبول جميع ملفات تعريف الارتباط" ، فإنك توافق على أن قيم يمكنه تخزين ملفات تعريف الارتباط على جهازك والكشف عن المعلومات وفقًا لسياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.
سياسة ملفات الارتباط.