ماهو الذكاء العاطفي ؟
يفهم الذكاء العاطفي من خلال نوعي الذكاء الشخصي و الاجتماعي و إضافة الذكاء الأخلاقي و السمو الإيماني للتعامل مع متطلبات الحياة و البيئة المحيطة بالإنسان.
من هذه المفاهيم يمكن معرفة الذكاء العاطفي بأنه:
القدرات و المهارات في التعرف على مشاعرنا الذاتية و مشاعر الآخرين ، لنكون أكثر تحكما في انفعالاتنا و تحفيز أنفسنا و إقامة علاقات أفضل مع الآخرين.(1)
ولقد عالج هذا الموضوع الكاتب «دانييل جولمان» في كتابه «الذكاء العاطفي» هذا المصطلح الذي أصبح من أهم الموضوعات انتشاراً وتداولاً. وفي تعريفه «للذكاء العاطفي» يقول: هو الاستخدام الذكي للعواطف، فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكه وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه إن كان في العمل أو في المدرسة أو الحياة بصورة عامة. (2)
يتميز هذا النوع من الذكاء بقدرات خمس مختلفة:
1 - قدرة الشخص على معرفة وفهم مشاعره الخاصة:
وذلك بمراقبة مشاعره النفسية أثناء حدوثها وإدراكه أسبابها وفهمه لأبعادها في سكونها وتقلباتها، والأشخاص الأكثر تفهماً لما يشعرون وتيقناً بصحة فهمهم وإدراكهم لها هم أكثر قدرة على إدارة دفة حياتهم وأكثر ثقة في قراراتهم الخاصة.
2 - المقدرة علي السيطرة والتحكم في المشاعر النفسية: ولا تتحقق هذه القدرة إلا بتحقق القدرة الأولى، فالأشخاص الأكثر قدرة علي التحكم في مشاعرهم هم أكثر قدرة على النهوض بعد السقوط والتغلب على المحبطات والنكسات والشروع في العمل من جديد بروح متفائلة طموحة ونظرة مشرقة للحياة.
3 - القدرة على حفز النفس على العمل: وذلك لتحقيق الأهداف والتحكم في النزوات والشهوات وتقديم العمل وتأخير الراحة ، والقدرة علي الإندماج في العمل والذوبان فيه بكل العواطف و المشاعر.
4 - القدرة علي ملاحظة وفهم وإدراك العواطف والمشاعر الإنسانية لدى الآخرين: والأشخاص ذو القدرة العالية في هذا المجال قادرون علي التقاط وملاحظة التغييرات الاجتماعية البسيطة فيمن حولهم وفهم احتياجاتهم النفسيه، وهم بذلك أفضل من غيرهم في أعمال كثيرة تتطلب التعامل مع البشر.
5 - القدرة على التعامل مع العلاقات الشخصية والتحكم فيها: وهذه القدرة هي التي تحدد مدى شعبية الشخص وتقبل الناس له وقدرته على الرئاسة والقيادة.
والخطير في الأمر أن كثيراً من الآباء والأمهات لا يدركون أن هذه القدرات الخمس السابق ذكرها تتكون في السنوات الأولى من حياة الطفل، وما فُقد منها يصعب استدراكه، وعلى حسب نوعية البيئة المحيطة والتفاعلات التي يعيشها الطفل تنشط أجزاء من الدماغ وتقوي فيها الإرشادات والاتصالات العصبية، الذي يؤدي إلى نمو ذلك الجزء من الدماغ.
وتشير الدراسات العلمية إلي أن مجموعة التفاعلات والمشاعر التي يعايشها الطفل في سنواته الأولى تؤسس وتؤصل لديه مجموعة دروس عاطفية تبقى مدى الحياة كمرجعية ثابتة وراسخة للتعامل مع محيطه والبشر من حوله، ولذلك عندما تستثار هذه العواطف يكون أول تصرف يقوم به الشخص هو انعكاس لهذه العواطف الدفينة التي تذهل الشخص نفسه بعد حدوثها، وهذا ما يسمي في علم النفس:ب"اختطاف العقل" (3)
أهمية الذكاء العاطفي .....!
لا يمكن أن نذكر أن حاصل الذكاء يعد عاملا جوهريا في التنبؤ بالتحصيل الأكاديمي والوضع الوظيفي . لكن علماء النفس يجمعون حاليا على ان حاصل الذكاء يكون مسئولا عن نسبة 20% فقط من نجاحنا الشخصي وأن الذكاء العاطفي ربما يكون مؤشرا أفضل للتنبؤ بالنجاح في الحياة . اوضحت مجلة تايم أن العواطف وليس حاصل الذكاء يمكن ان تكون المقياس الحقيقي لذكاء المرء .
وآخر ما توصلت اليه الأبحاث يشير إلى ان حاصل الذكاء يأخذ المركز الثاني بعد الذكاء العاطفي في تحقيق الأداء الوظيفي المتميز وأعلى تقدير لمدى اسهام حاصل الذكاء في النجاح بموقع العمل حوالي 25% وهناك رقم أكثر دقة قد لا يتجاوز 10% او ربما 4% فقط !
ويلخص دانيال جولمان اهمية الذكاء العاطفي بقوله " من أجل تحقيق أعلى درجة من التميز في الأداء في جميع الوظائف وفي كافة المجالات تعادل اهمية الكفاءة العاطفية اهمية القدرات المعرفية مرتين "
ومن صور الكفاءة العاطفية الثقة: تقدير الذات و تحمل المسؤولية و التفاؤل و التحكم في الانفعالات و بناء علاقات جيدة مع الآخرين و اتخاذ القرار وحل المشكلات و المثابرة وتحفيز النفس على العمل الجاد و غيرها من صور عديدة .
وفي موقع العمل هناك أدلة متزايدة على أن حاصل الذكاء له علاقة كبيرة بتعيين الناس في الوظائف لكن الذكاء العاطفي له علاقة كبيرة بترقيتهم كثير كم الوظائف دمرت بسبب العلاقات الشخصية السيئة وليس بسبب قلة الخبرات الفنية والذكاء العاطفي يؤثر بشكل مباشر على العمل الجماعي والانتاجية ..
وتشير الأبحاث الى أن الحياة المهنية لكثير من المديرين خرجت عن مسارها الصحيح بسبب سوء علاقاتهم بغيرهم وفشلهم في بناء وقيادة الفرق وعجزهم عن التغيير والتكيف أثناء المراحل الانتقالية . لقد كانوا بوجه عام سيئي التواصل وتعسفيين واستغلاليين وانتقاديين مبالغ فيه ولا يجيدون العمل الجماعي ....!(4)
والذكاء العاطفي له فوائد عديدة منها: (5)
1-الانسجام بين عواطفك ومبادئك وقيمك, مما يشعرك بالرضا والاطمئنان
2-إتخاذ قراراتك الحياتية بطريقة أفضل
3-الصحة الجسدية والنفسية
4-القدرة على تحفيز نفسك وإيجاد الدافعية الذاتية لعمل ما تريد
5-أن تكون أكثر فعالية في العمل من خلال الفريق
6-أمتلاك حياة زوجية أكثر سعادة
7-أن تكون مربياً ناجحاً ومؤثراً في أسرتك
8-تحصل على معاملة أكثر أحتراماً
9-تكوين العلاقات والصداقات التي تريدها
10-أن تكون أكثر إقناعاً وتأثيراً في الآخرين
11 - النجاح الوظيفي
الأمية العاطفية والفصاحة العاطفية:
نحن مدينون لأجدادنا ان أوجدوا المصطلحات والكلمات التي تعبر عن المشاعر والعواطف ويلاحظ من خلال دراسة عن الذين لديهم اضطرابات سلوكية انهم يعانون من أمية عاطفية بحيث لا يتقنون معرفة عواطفهم ومشاعرهم ولا يحسنون التعبير عنها بالكلام مما قد يجعلهم يشعرون بالغضب أو الانفعال من غير أن يعرفوا السبب الحقيقي.(6)
إن المجتمعات التي لم تحظ بنصيب كاف من العلم ينظر فيها إلى الطفل نظرة الجاهل الذي لا يدرك ولا يفقه! ،علماً بأن الطفل يفهم آلاف الكلمات قبل أن يصل إلى الخامسة من عمره، وأكثر الناس تأثير على الطفل هم والداه، فهما مرآته ونافذته علي الدنيا، فإن أغلقا عليه نوافذها لم ير من الدنيا إلا جدراً وظلمة تستمر طوال حياته.(3)
عندما نبدأ بتسمية مشاعرنا بشكل صحيح فإننا عندها نبدأ بالإحساس العميق بهذه المشاعر وكأننا بتسمية عاطفة ما نعطي الجزء من الدماغ المختص بالعاطفة الإذن بالإحساس بهذه العاطفة ولاشك أن هذه القدرة على التسمية تسهل آلية التعايش والتكيف مع عواطفنا الإنسانية.
ومن الطرق العملية للتعليم العاطفي هو استعمال الجمل البسيطة والمكونة من ثلاث أو أربع كلمات:
أنا أشعر بالسعادة أو بالمهانة
ويلاحظ ان كلمات العواطف لاتصف فقط العاطفة وإنما تعطي أيضا فكرة عن درجتها وشدتها لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس الأبجدية العاطفية ( إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ)
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أبصر النبى -صلى الله عليه وسلم- يقبّل الحسن ، فقال: "إن لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم) متفق عليه. (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) {آل عمران :159}. (6)
كيف نربط الذكاء بالعاطفة؟
الدماغ لا يخزن المعلومات و يحدد قدرة الطفل المستقبلية على التحليل العقلي فحسب! بل ويخزن المشاعر والأحاسيس والعواطف في جزء من الدماغ يسمى "أميجدلا"
وقد كان الدكتور جوززف ليدوكس من أوائل من اكتشفوا الدور المهم الذي تقوم به (الأميجدلا) في تكوين تصرفات العقل، وبيّـن أن هذه الغدة تستطيع السيطرة على أفعالنا في الوقت الذي لا يزال العقل واعيًا يفكر لاتخاذ قرار(3).
ولهذه «الاميجدالا» دور الحارس الذي يتحدى كل موقف وكل تصور ويطرح على العقل الأسئلة السهلة التي تتعلق بالمشاعر مثل « هل أكره هذا الشيء»؟ أو«هل هذا الشيء سيصيبني بالضرر؟» هل هو شيء أخافه؟» وهكذا... فيرسل رسالة إلى باقي أجزاء الدماغ بالشعور الذي نحس به (2)، وقد وجد أن هذه الغدة تنمو سريعاً في مراحل تكوين دماغ الجنين وعملها أشبه ما يكون بكاميراة الفيديو التي تسجل كل ما تقع عليه العين وتخزنه ليشكل المرجعية النفسية لطفل اليوم ولذلك فإن عالم النفس يقول أعطني الخمس الأولى من حياة الطفل أعطك رجلاً ناضجًا في المستقبل. (3)
وهنا يمكن أن نطرح السؤال الآتي:
هل يمكن للإنسان أن يرفع من مستوى ذكائه العاطفي؟
تجيب الدراسات أن هامش التطوير في الذكاء العاطفي أوسع بكثير من هامش التطوير في الذكاء العقلي. لذلك نربط الذكاء العاطفي بالتربية، لأنه ينطبق على أفعالنا اليومية، مثال على ذلك: إذا كرر احد على مسامع الطفل بأنه طفل عنيد، فإنه سيصبح عنيدا بالفعل، ولهذا السبب علينا دائماً أن نشيع المشاعر والصفات الإيجابية على مسامع الأطفال، والكبار أيضاً لأنها تترك أثراً طيباً وحافزاً إضافياً للتمثل بالصفة التي أطلقت عليهم.(2)
الخاتمة
خلاصة القول يمكن تعريف الذكاء العاطفي بأنه قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه ومع الآخرين. والذكي عاطفياً هو الذي لا يتجاهل عواطفه ولا يكبتها وإنما يفهمها ويتعامل معها بطريقة إيجابية، حيث إن كبتها يؤدي إلى الاحتقان وينعكس سلباً على صحته النفسية والجسدية، وهناك قاعدة أساسية في الذكاء العاطفي تقول: نحن لا نستطيع أن نقرر عواطفنا ولكننا نستطيع أن نقرر ما نفعل حيالها، فيقول أرسطو في كتابه الأخلاق إلى نيقوماخوس: "أن يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل.. لكن أن يغضب من الشخص المناسب، وفي الوقت المناسب، وللهدف المناسب وبالأسلوب المناسب.. فليس هذا بالأمر السهل."هذه هي حال عقولنا وقلوبنا، التي نختزن فيها الكثير من الصفات والمميزات: الإرادة، النوايا الحسنة والمشاعر الطيبة والإيجابية، مهارات عاطفية، فن وجمال، التسامح والتعاطف، التفاؤل والثقة بالنفس اللذان لا يقبلان الخوف من الفشل، المسؤولية، وتقبل الرأي الآخر، تقييم الوقت، والهدوء .... كلها صفات ومهارات تساوي بمجموعها «الذكاء العاطفي»، وبالتالي يصبح الإنسان إنساناً، سيداً على نفسه، مريداً لما يحب ويرضى، ناجحاً، يقدر قيمة الأشياء، يضبط نفسه ويرأف بالآخرين.(2)
وفي الأخير نؤكد على أهمية العاطفة في حياة الفرد و المجتمع وأنها نوع مهم من أنواع الذكاء لهذا ننصح كل الآباء بأن يساهموا بتطوير و نمو ذكاء أبنائهم بطريقة سليمة لأن مرحلة الطفولة تعتبر أهم مرحلة لتطوير الذكاء و ذلك عن طريق بعض العمليات العقلية التي سعى إليها علمائنا كما أنهم طوروا لنا بعض الاختبارات التي تقيس لنا ذكائنا و لهذا من واجبنا أن نشكر كل عالم قد أسهم في توضيح و توصيل فكرة الذكاء إلينا .
المراجع:
(1) موقع لها اون لاين
(2)بقلم الدكتورة سنا الحاج
(3)حلقة "الذكاء العاطفي" من برنامج (ومحياي) للدكتور وليد فتيحي.
https://www.youtube.com/watch?v=LRxPSg5gubQ
(4) منتديات مهارتي.
http://vb.maharty.com/showthread.php?t=8942
(5)موقع سلايدشير.
http://www.slideshare.net/guestbfd7302/ss-3089867?related=1
(6)موقع موهوبون .