- قدمت العديد من المؤسسات -مثل؛ الجمعية الأمريكية للطب النفسي، والجمعية الأمريكية للتوحد، ومجلس البحث الوطني الأمريكي- تعريفاتٍ مختلفة للتوحد، وقد اتفقت هذه التعريفات على أنّ التوحد هو اضطراب عصبي، يظهر في الثلاث سنوات الأولى من عمر الإنسان، ويعاني الأفراد المشخصون به تحدياتٍ في مجالات التواصل والتفاعل الاجتماعي، وسلوكهم مقيّد بأنماط محددة يرفضون تغييرها، ولديهم اثنان أو أكثر من الأعراض التالية:
2-
الإصرار على الرتابة، أو عدم تقبل تغيير الروتين، أو
المحافظة على أنماط وطقوس معينة للسلوكيات اللفظية وغير اللفظية، مثل؛ إظهار
الانفعال الشديد عند أي تغيير بسيط، وعدم تقبّل الانتقال من نشاط لآخر.
3- إظهار اهتمامات في أشياء محدودة جدًا، وقد
تكون هذه الأشياء غير مثيرة للاهتمام، مثل أغطية العُلَب أو ورق الحائط.
4- وجود تحديات حسية تظهر على شكل حساسية
زائدة للمدخلات الحسية، أو حساسية ناقصة لها، أو اهتمام غير عادي بأنشطة من شأنها
زيادة المدخلات الحسية، مثل؛ التذوق الزائد للأشياء، ووجود التحديات الحسية يستدعي
مراجعة أخصائي علاج وظيفي للتقييم والكشف عن وجود اضطراب المعالجة الحسية.
اضطراب
المعالجة الحسية
يستقبل الإنسان المعلومات القادمة من
البيئة بواسطة حواسه، والمعالجة الحسية هي التنظيم الصحيح للمدخلات الحسية،
واستقبالها بشكل سليم، والجهاز العصبي المركزي هو المسؤول عن تلك المعالجة،
ويُعرِّف علم "التكامل الحسي" سبع حواس؛ اللمس، والبصر، والسمع، والتذوق،
والشم، والحاسة الدهليزية، وحاسة المفاصل والعضلات. واضطراب المعالجة الحسية هو
خلل في استقبال وتنظيم المدخلات الحسية، ويكون هذا الخلل على ثلاثة أشكال؛ حساسية
زائدة، أو حساسية ناقصة، أو بحث عن المدخلات الحسية. يترجم الأشخاص المشخصون
بالتوحد اضطرابَ المعالجة الحسية إلى سلوكيات ظاهرة، مثلًا؛ يضع الأشخاص من ذوي
الحساسية الزائدة للصوت أيديهم على أذُنِهم لعدم قدرتهم على تحمل الصوت الذي
يعتبره الآخرون عاديًا، ويضغط الأشخاص من ذوي الحساسية الناقصة للمس على الأشياء
بقوة للشعور بها، ويتحرك الأشخاص الباحثون عن مدخلات حسية من الحاسة الدهليزية
كثيرًا.
تزيد هذه السلوكيات من الضغط النفسي الذي
يواجهه الأهل في التعامل مع أبنائهم المشخصين بالتوحد، فقد أظهرت نتائج دراسة
أجريتها في الأردن أنّ أهل الأشخاص المصابين بالتوحد يعانون ضغوطًا نفسية أكبر إذا
ما قورنوا بأهل الأطفال المشخصين بمتلازمة داون، وبأهل الأطفال ذوي التطور
الطبيعي، ممّا يزيد حاجة الأهل لمعرفة ماهية المشاكل الحسية. والخلل في استقبال
المدخلات الحسية يؤدي بالضرورة إلى خلل في معالجتها، ممّا يتسبب في تحديات على
المستوى الإدراكي، والمستوى العقلي، مثل؛ التركيز، ومدة الانتباه القصيرة،
بالإضافة إلى تحديات على مستوى أداء المهام الأساسية، أو ما يُعرَف أكاديميًا
ب"السلوك التكيفي".
السلوك
التكيفي
يشير مصطلح "السلوك التكيفي" إلى
قدرة الأشخاص على أداء المهام الأساسية بشكل مستقل في البيئة، ويصنف مقياس فينلاند
(Vineland Adaptive Behavior Scales-Third Edition (Vineland-III) ) تلكَ المهام الأساسية إلى خمسة مجالات؛ التواصل، ومهارات الحياة
اليومية، والتفاعل الاجتماعي، والمهارات الحركية، والسلوك.
قمنا -مهند عميرة وفاطمة الزهراء عمر- بإجراء
دراسة على تأثير المعالجة الحسية على المجال الحركي في السلوك التكيفي لدى الأطفال
المشخصين بالتوحد في مصر، وقد أظهرت النتائج أنّ 96.67/100 من الأطفال عانوا من
تحديات حسية بشكل متكرر في حاسة واحدة على الأقل، وأظهر الأطفال المستور الأعلى من
التحديات في حاسة البصر، كما أثبتت الدراسة تأثيرًا معاكسًا للتحديات المرتبطة
بالحاسة الدهليزية على المهارات الحركية الكبيرة في السلوك التكيفي، بمعنى أنّ
وجود اضطرابات أكبر في الحاسة الدهليزية يؤدي إلى قدرة أقل على التكيف في مجال الحركات
الكبرى.
والحاسة الدهليزية تقدم للإنسان معلوماتٍ حول موقعه
في الفراغ وعلاقته بالجاذبية، والمهارات الحركية تُقسَم إلى قسمين؛ القسم الأول هو
المهارات الحركية الكبيرة، مثل؛ المشي والركض والتسلق، والقسم الثاني هو المهارات الحركية
الدقيقة، وهي المهارات التي تُؤدَّى داخل كفّ اليد، مثل؛ استخدام المقص ومسك القلم
ولظم الخرز. يتوجب على الأهل في حال معرفتهم أو ظنهم بوجود مشاكل حسية لدى أطفالهم
التواصل مع أخصائي علاج وظيفي، مع ملاحظة أنّ المشكلات الحسية غير مرتبطة باضطراب أو
مرض معين، فقد تظهر عند المشخصين بأمراض أخرى غير التوحد، كالشلل الدماغي ومتلازمة
داون ومتلازمة جوبرت؛ وهذا على سبيل المثال لا الحصر.