لا يزال موضوع صعوبات التعلّم أو التأخر الدراسي يحوز رصيدا مهماً من مجموع المشكلات التي تعاني منها كل دول العالم، فغالباً ما تعزّى هذه المشكلة لأسباب ذهنية ترتبط بعدم القدرة على التحليل والربط، وأخرى عقلية ترتبط بتدني مستوى الذكاء العام لدى الطالب. بشكل عام، تبدو هذه الأسباب واقعية لدى الفئات العمرية الأولى، التي تخطو خطواتها الأولى في المؤسسات التعليمية، ولكن هل من الواقعي إسقاط الأسباب العقلية والذهنية لصعوبات التعلم على فئات المراهقة التي قطعت شوطاً من التعليم الأساسي ومن المتوسط؟
لا بد بدايةً من ربط مظاهر المراهقة بمفهوم الحداثة والتقدّم، بحيث أنها كانت مفهوما غير متدوال في مجتمعات الـ"ما قبل حداثوية" نتيجة التوافق والخضوع التام للسلطة الأهلية والمنزلية. إن مشاكل المراهقة اليوم، تعد من المشاكل البارزة التي تواجه المجتمعات، من حيث عدم التوافق مع السلطة الأهلية والفئات المربية، وكثرة انتشار المؤثرات الثقافية التي تساهم في تشتيت وضياع هذه الفئات، ما يجعل أغلب المشاكل التي تواجه المراهقة ذو أبعاد نفسية-اجتماعية. فغالبا ما نجد نتائج (الدراسات) العربية التي تتعلق بصعوبات التعلم لدى المراهقين تصب في نتائج ذو أبعاد نفس-بيئية أبرزها: ضعف دافعية للانجاز (أسامة محمد، 1976)، ضعف والتوافق الاجتماعي (د. ذكرى الطائي، 2006)، العزو الادراكي السلبي (سيف الدين عبدون 1990)، ارتباط الضغوط النفسية والقلق بالتأخر الدراسي (عبد الحفيظ جدو، 2014). وبحسب هذه الدراسات، فغالباُ ما ينتج سلوك الانطواء الاجتماعي، فشل العلاقات الاجتماعية، الشرود الذهني، أحلام اليقظة وضعف الثقة بالذات نتيجة الفشل التحصيلي، وهي جميعها من الجوانب النفس-اجتماعية.
إن الاطار المدرسي لحالات التأخر الدراسي يستدعي دائماً تدخّل مباشر من قبل مرشدين ومختصين في المجال النفسي التربوي، فان الدينامية الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي الفعال داخل الصفوف المدرسية أساسي في التعامل مع الحالات التي تعاني من تأخر دراسي. إن النظم الفعالة تتجه إلى فرز الطلاب على حسب كفاءاتهم وقدراتهم الدراسية (الأعمار البالغة) وليس دمجهم مع المفوقين دراسياً، أما الارشاد الجماعي (داخل الصفوف بشكل عام) فيركّز على التعلّم بالمشاركة وليس التلقين، وذلك لتسخير الدعم المعنوي اللفظي خلال مشاركة ذوي التأخر الدراسي في عملية التعلم والفهم. أما الثبات على المناهج التقليدية في معاقبة الكسالى واستدعاء الأهل وتقزيم صورتهم الاجتماعية أمام الآخرين، فهي من الأساليب الضارة والقاتلة التي يجب الغاؤها بشكل نهائي.
بالنسبة للإرشاد الفردي لذوي صعوبات التعلم، المركّز على الفرد دون سواه، فكما قلنا إن غالباً ما تكون الأفكار السلبية وضعف الثقة بالذات عوامل أساسية في ضعف التحصيل الدراسي، فان أساليب تأكيد الذات الموجّه ذهنياً والتدريب على المواقف الاجتماعية (غالباً ما تستخدم في العلاج السلوكي) يمكن أن يؤدي إلى نتائج فعالة من حيث قدرة الطلاب على سهولة الاندماج الاجتماعي في البيئة المدرسية وتفعيل الدور الذاتي في الحصص الصفية، كما مواجهة القلق والضغوط النفسية. كما يمكن استخدام أسلوب التحصين المنظّم الواقعي أو التصوري، بحيث تدرس بشكل عام الأفكار التي تراود الطالب في عملية التعلّم، وتوقيتها، وتدريب الحالات على إدراكها، ثم استبدال هذه التصورات بتصورات إيجابية عبر استخدام تجارب مباشرة في التعلّم والفهم، والتي يمكن أن تؤدي الى تحسين التحصيل الدراسي بشكل ملموس.
أخيراً، فإنه من الضرورة أولاً تغيير المعتقد السائد من قبل الكادر المدرسي بالنسبة للتأخر الدراسي على أنه تقاعس وضعف مجهود من قبل الطلاب من جهة، وكذلك على الدول أن تدعم الجهود المبذولة لتخطي هذه المشكلات وخاصة في المدارس الرسمية التابعة لها نظراً لكثرة انتشار المشاكل في هذه الدوائر نتيجة المشكلات الاجتماعية التي تواجه طلابها مما يؤثر بشكل جذري على المسار الأكاديمي للطلاب من ذوي التأخر الدراسي وتهديد مستقبلهم.