زراعـة القـوقـعـة

انشأت
شوهدت 469 مرة
آخر تعديل
39 دقيقة قراءة
1

زراعـة القـوقـعـة

مقدمة :

تعتبر تكنولوجيا زراعة القوقعة من أحدث ما توصل إليه العلم لأولئك الذين يعانون من فقدان سمعي تام أو شبه تام في الأذنين ، والتي تقف المعينات السمعية _ على الرغم من تقدمها _ عاجزة عن تعويض فقدانهم السمعي . ونظرا لعدم توفر بقايا سمعية لدى هؤلاء قام الباحثين باكتشاف وسيلة بديلة وهي حث العصب السمعي عن طريق قطب يزرع بداخل الأذن الداخلية في هذه الحالة يتم استقبال الصوت بواسطة مكبر للصوت صغير يوضع خارج الأذن ، ثم يحول الصوت ليتم معالجته تكنولوجيا بهدف تبسيطه بحيث يسهل على الأذن إدراكه .

وقد قام الباحثين بتجربة عملية زراعة القوقعة الإلكترونية على المصابين بفقدان سمعي مكتسب بعد تعلم اللغة إثر حادث أو مرض ، حيث كان لأولئك ذاكرة سمعية للأصوات . وكانت الخطوة التالية هي إجراء عملية زراعة القوقعة على الأطفال الصغار ، وتعتبر هذه الخطوة أصعب من حيث التأهيل السمعي واللغوي اللازم بعد إجراء العملية .

أما بالنسبة للتطورات المتوقعة في هذا لمجال فهي تكمن في معالجة الصوت بصورة أفضل وكذلك في تصغير حجم الجهاز بحيث يسهل على جميع المعاقين سمعيا باختلاف أعمارهم استخدامه والاستفادة من مزاياه (سليمان، 1994).

       § تاريخ ظهور زراعة القوقعة :

كانت البداية الفعلية المكتوبة حول زراعة القـوقعة عام (1957) في فرنسا على يد ( Djourno & Eyries ) ، أما المحاولات الأولى قد بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1961) حيث تم زراعة جهاز ذو قطب واحد لدى مريض كما قام بزراعة عدة أجهزة أخرى في نفس السنة، أدت إلى تحسن السمع لديه إلا أنه لم يستطع فهم الكلام. لكن خلال عدة أسابيع تم تحسين الأجهزة بواسطة السليكون ، وقد شجعت هذه النتائج على جعل أحد المهندسين ينفق عدة سنوات لتصميم كل من الأقطاب الخارجية والأقطاب المزروعة.

وفي عام (1964) تمت محاولة في ساتانفورد لتحسين أجسام الخلايا في العقد العصبية بزرع مجموعة من ستة أقطاب في المركز الرئيسي للحرقفة حيث استطاع المرضى أن يميزوا إشارات الكلام إلا أنهم لم يفهموا الكلام. وترتب على ذلك عدم الاهتمام بنتائج هذه الأبحاث إلى بقدر ضئيل جدا خاصة بعد أن عقد المؤتمر الجراحي لزراعة القوقعة عام (1965) والذي كان مثيرا للجدل من خلال السلبيات الناتجة عن استخدام هذه الطريقة. إلا أن هذا الجدل حمل العديد من الأطباء والباحثين على تجريب هذه الطريقة واختبارها وهذا يظهر في عدد الدراسات والأبحاث التي أجروها فيما بعد ضمن ثلاثة أجيال، حيث ظهر الجيل الأول في عام (1969) حين قام (House) بسلسلة من الاختبارات لزراعة القوقعة استخدم معها أنظمة قطبية مكونة من (5) أقطاب، إلا أنه لم يلاحظ أي تحسن في القدرة على تمييز الكلام لدى المرضى المقارنة بنظام القطب الواحد.

ونتيجة لتضارب نتائج الأبحاث حول زراعة القوقعة بقي المهنيين حذرين في استخدام هذه الطريقة خاصة مع غياب المقالات والأبحاث المنشورة في المجالات المتخصصة. إلا أنه في نهاية عام (1978) بدأ الاهتمام من أجهزة الإعلام مما أدى إلى تقديم عدة طلبات لتمويل الأبحاث حول زراعة القوقعة من قبل المركز الوطني الصحي. وقد تم نشر نتائج الأبحاث والتي أكدت : أن بعض المرضى قد تحسنت قدرتهم على فهم الكلام، كما زادت قدرة البعض على فهم أصوات البيئة، فضلا على أن زراعة القوقعة قد سـاعدت المرضى على التحكم بأصواتهم.

أما الجيل الثاني فقد بدأ ببداية الثمانينات من خلال زراعة الأقطاب المتعددة وقد حدث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وفي استراليا وباريس، حيث أجريت العديد من الدراسات والتي أثبتت فعالية زراعة الأقطاب المتعددة في فهم الكلام وفي زيادة نمو الكلمات للجمل.

في حين أخذ الجيل الثالث اتجاه تطوير الأجهزة المستخدمة مع زراعة القوقعة، حيث  قام المعهد القومي للصحة عام (1985) بتطوير معالج جديد يساعد زارعي القوقعة على فهم الكلام والحديث. كما أجريت تطورات أخرى في العام (1986_1987) من قبل مجموعة من الشركات، التي أثبتت أن المرضى الذين استخدموا هذه الأجهزة المطورة قد حصلوا على علامات كاملة في اختبارات فهم الجمل، كما حصلوا على درجات في السمع تقارب السمع الطبيعي بعد أن أجريت عليهم اختبارات السمع (Dorman , 2001 ) .

 

       § المستفيدون من زراعة القوقعة :

عادة ما نجد أن الأفراد المصابون بصمم شديد إلى شديد جدا ممن يتراوح فقدانهم السمعي من (50 ديسبل) فما فوق، من الذين لا يستطيعون الاستفادة من المضخمات المألوفة هم المرشحون لزراعة القوقعة. حيث أن الصمم الشديد جدا ينتج عن فقدان وظيفة الخلايا الشعرية في القوقعة، والتي تؤثر على توليد  النبضات العصبية والنشاط الكهربائي في العصب السمعي (الزريقات، 2003).

 

       § تصنيف زراعة القوقعة :

ويشير جيرجر ( Jerger ) إلى أن زراعة القوقعة تصنف ضمن مجموعتين :

     1.       زراعة القوقعة للكبار : الذين ولدوا صما أو أصيبوا بالفقدان السمعي بعد الولادة ويمكن أن يستفيدوا من زراعة القوقعة خصوصا كمساعدة لقراءة الشفاه (الزريقات، 2003).

فقد أثبتت الدراسات التي أجريت بهدف معرفة أثر زراعة القوقعة على الكبار الذين ولدوا صما أن هناك شكوك في مدى فهمهم للأصوات بعد عملية زراعة القوقعة وذلك لعدة أسباب أهمها: أن الفرد قد لا يكون لديه ذاكرة حول أحرف العلة وكيف تبدو، كما أن الجهاز السمعي قد يكون مدمرا نتيجة لحرمان الفرد من السمع لفترة طويلة، وهذا يؤشر إلى أن النظام السمعي لن يتجاوب مع الصوت، لأن حجم خلايا الجسم في مركز السمع والجهاز العصبي تكون قد تقلصت، هذا بالإضافة إلى أن عملية التحفيز التي تحدث خلال مرحلة الطفولة بغرض تشكيل الروابط العصبية لن تنمو وتتطور بشكل طبيعي في غياب عملية التحفيز ولذا يتوقع أن تكون استجابتهم غير طبيعية.

ولذا تشير معظم الدراسات أن الكبار الذين كانوا صما منذ الولادة قد سجلوا استجابات قليلة جديدا من الفهم للكلام بواسطة الزراعة. في حين أشارت القليل من الدراسات أن عددا قليلا من الأفراد قد حققوا تقدما في فهم الكلام في مستوى عالي. مع أن العديد من الأفراد الذين لم يحصلوا على فهم للكلام يلبسون أجهزتهم يوميا ومرتاحين بها، وذلك بسبب:

      أ‌.        أن الجهاز يمكنهم من السمع.

    ب‌.      أن الجهاز يساعد على سماع الكلام.

    ت‌.      أن الجهاز يمكنهم من تمييز بعض الأصوات مثل رنين الهاتف.

    ث‌.      أن زراعة القوقعة تمكنهم من تنظيم إنتاج الكلام بشكل جيد مما يؤدي إلى تحسين نوعية الصوت.

أما فيما يتعلق بالدراسات التي بحثت في زراعة القوقعة للكبار الذين أصيبوا بفقدان سمعي مكتسب ففد أثبتت الدراسات أنهم يستفيدون من زراعة القوقعة بشكل أكبر وذلك بسبب معرفتهم بالأصوات وسماعهم لها من قبل، ولذا نجدهم قادرين على سماع وتمييز الأصوات وفهم الكلام العادي، وسماع الأصوات البيئية.

إلا أن بعضهم أشار إلى أنهم قد يجدون بعض الصعوبات في سماع الأصوات ضمن المجموعات الكبيرة أو المسافات البعيدة ذات الحواجز (كالأبواب)، كما أنهم يجدون صعوبة في فهم كلام بعض الأطفال في مراحل عمرية معينة، أو في الحالات التي يقف فيها المتحدث في مكان لا يقابل فيه زارع القوقعة (Dorman , 2001 ).

 

     2.       زراعة القوقعة للأطفال الصغار: الذين لديهم فقدان سمعي شديد جدا، ولا يستفيدوا من السماعات الطبية الاعتيادية ، ويمكن أن يستفيدوا من زراعة القوقعة (الزريقات، 2003).

وفي هذا الصدد أشارت الدراسات أن الأطفال الذين أجروا عملية زراعة القوقعة من مستخدمي لغة الإشارة والذين كانوا يعانون من صعوبة في فهم الكلام أن مهارات التواصل لديهم قد تحسنت بشكل ملحوظ.

وهذا ما أكده كل من ( Kuwin & Stewart , 2000 ) في الدراسة التي أجرياها على أطفال يعانون من إعاقة سمعية شديدة، كما أضافا إلى أنه يمكن ملاحظة التحسن الملحوظ في مهارات التواصل والسمع الكلام لزارعي القوقعة من خلال متابعتهم لفترات طويلة، خاصة وأن لغة الطفل تتحسن دوما مع تقدمه في العمر. 

فقد أثبتت الدراسات أنه كلما كان عمر الطفل صغيرا أثناء أجراء عملية زراعة القوقعة كلما كان ذلك أفضل، وهذا ما أشارت إليه دراسة من أن الأطفال الذين يقل أعمارهم عن خمس سنوات هم أكثر استفادة من زراعة القوقعة إذا ما قورنوا بغيرهم (Bertschy , Tyler , Kelsay , Gontaz & Woodworth , 1997 ) .

 

       § مكونات زراعة القوقعة :

1-ميكروفون يلتقط الإشارات.

2- سلك صغير يستقبل الإشارات من الميكروفون.

3- معالج للإشارات يستقبل الإشارات المحولة عبر السلك.

4-بطارية تقوم بشحن المعالج وتقوم بجعل الإشارات مناسبة الإحساس من قبل الجهاز العصبي.

5-محول الذبذبات الإشعاعية الذي يستقبل الإشارات المعالجة من قبل السلك .

6- المستقبل المزروع تحت الجلد فوق أو خلف الأذن ، والذي يستقبل الإشارات التي يرسلها المحول عبر الجلد .

7- مجموعة من الأسلاك الرفيعة التي تستقبل الإشارات وتنقلها إلى

8-القطب الكهربائي المزروع في الأذن الداخلية أو القوقعة (McCormick & Sheppard , 1994 .

 

       § آلية زراعة القوقعة :

زراعة القوقعة مصممة لإثارة العصب السمعي مباشرة. حيث تزرع أقطاب كهربائية في القوقعة. القطب الكهربائي الذي يكون ملحقا أو مربوطا مع دورة كهربائية مزروعة في العظم الصدغي. الإشارات الصوتية تستقبل بواسطة ميكروفون ملحق أو مربوط مع مضخم بالغ التعقيد. المضخم عندئذ يرسل إشارات للقطب بواسطة الدورة المزروعة. وعندما يستقبل القطب الكهربائي الإشارة فإنه يزود بإشارات كهربائية للقوقعة، وبالتالي إثارة العصب السمعي             ( الزريقات، 2003).

 

       § خطوات زراعة القوقعة :

تمر زراعة القوقعة بثلاث خطوات هي : ما قبل العملية الجراحية، وفترة الجراحة والنقاهة، وفترة ما بعد الجراحة أو ما تعرف بفترة إعادة التأهيل. وسنتناول كل منها بشيء من التفصيل فيما يلي:

أولا : فترة ما قبل الجراحة :

      أ‌.        إجراء اختبارات سمعية وطبية متتابعة قبل إجراء الجراحة لتقييم مدى استفادتهم من عملية الزراعة.

    ب‌.      إجراء تقييم نفسي للمعاقين سمعيا وآباءهم للتأكد من معرفتهم بخطوات العملية وما قد يترتب عليها من آثار.

    ت‌.      تحديد نقاط القوة والضعف التي يمكن أن تساعد أو تعيق التكيف قبل عملية الزراعة.

    ث‌.      تطوير خطة سلوكية لإعادة التأهيل السمعي.

     ج‌.      تحديد المشكلات السلوكية التي يعاني منها المعاقين سمعيا الذي سيخضعون للعملية كالشعور بالإحباط.

     ح‌.      إجراء مقابلات مع المرضى يتم من خلالها عرض كافة المعلومات الضرورية عن عملية الزراعة، وكيفية حدوثها وما يسبقها ويعقبها ، وما هي مزاياها وسلبياتها المحتملة.

 

ثانيا : فترة الجراحة والنقاهة :

عادة ما تتطلب فترة النقاهة الصبر والتكيف من المرضى نتيجة لما يشعرونه من الإحباط والخوف والتوقع، لذا هم يدركون أن الأسابيع الأولى هي الفترة الأصعب. مما يحتم على الفريق الطبي القائم عليهم تقديم برنامج مكثف يتضمن نوع من التدريب والمعالجة النفسية، وذلك بسبب مشاعر الخوف والقلق التي يشعرونها من نتائج العملية الجراحية، هذا بالإضافة إلى قلقهم على مظهرهم الخارجي فيما يتعلق بشعرهم ووضعية رأسهم إثر العملية الجراحية.

 

ثالثا : فترة إعادة التأهيل :

وتتم فترة إعادة التأهيل بعد (3-5) أسابيع من إجراء العملية ، وفيها يتم تفصيل الأجهزة التي تساعد المرضى على تلقي بعض الإشارات غير الطبيعية التي تنقل لهم بواسطة الجهاز، بحيث يتم تدريبهم على المهارة الأولى من خلال جمع النماذج الصوتية الكهربائية مع النماذج التي كانوا يسمعونها والتي تكون ذات معنى لهم.

ولذا يفضل الإسراع في ارتداءهم للجهاز واستخدامهم له ، لأن ذلك يساعدهم على سرعة التعلم وتحسين مهارات الكلام والتواصل مع الآخرين خلال هذه الفترة (Heinberg & Hays , 2000).

 

       § العوامل المؤثرة في نجاح زراعة القوقعة :

أجمع العديد من العلماء أن هناك عددا من العوامل التي قد تؤثر على نجاح زراعة القوقعة للمعاقين سمعيا من حيث الاستفادة ، وقد حصروا تلك العوامل بالآتي:

      أ‌.        العمر الذي أصيب فيه الشخص بالفقدان السمعي.

    ب‌.      المستوى التعليمي والأداء الأكاديمي للشخص.

    ت‌.      مدى تأثير البيئة المنزلية على الشخص ، من حيث القبول والتقبل.

    ث‌.      الأسلوب أو الطريقة التي يستخدمها الشخص قبل إجراء العملية الجراحية.

     ج‌.      كثافة برنامج التدريب وإعادة التأهيل السمعي الذي يتلقاه بعد إجراء عملية زراعة القوقعة (Bertschy etal. , 1997 ).

 

       § الاتجاهات حول زراعة القوقعة :

تضاربت آراء العلماء والأطباء حول زراعة القوقعة من مؤيدين ومعارضين ، فظهر هناك اتجاهان متعاكسان حول هذه القضية ، هما :

      أ‌.        الاتجاه الأول: ويؤيد فيه الباحثين والأطباء عملية زراعة القوقعة لأنها من  وجهة نظرهم تساعد على تدريب وتعليم وتربية المعاقين سمعيا كأحد أفراد المجتمع، فهي بهذه الطريقة تسمح بدمجهم في ظل الحياة الطبيعية العادية التي لطالما حرموا منها، على أساس أنها من تحسن من قدرتهم على اكتساب واستخدام اللغة العادية، فضلا على ما سوف عليهم تتركه من آثار إيجابية في النواحي الاجتماعية والنفسية والأكاديمية. 

 

    ب‌.      أما الاتجاه الثاني : فهو يعارض عملية زراعة القوقعة لأن الباحثين يرون أنها تحرم المعاقين سمعيا من ثقافة الصم التي أعتادوها وأصبحوا جزءا منها، كما أن هذه العلمية لن تكفل لهم طريقة عادية للسمع الكافي الذي يمكنهم من أن يصبحوا جزءا من عالم السامعين، وإن حدث ذلك إلا أنهم سيواجهون مشاكل شاقة في فهم وإدراك الحديث المتداول أمامهم لفترات طويلة نسبيا على أحسن الظروف )          (Bertschy etal. , 1997

والمتأمل لهذين الاتجاهين يجد أن لكل منهما مزايا وعيوب ، قد تجعل لكل وجهة نظر منطقية إلى حد بعيد إن أغفلنا وجهة النظر الأخرى . فالسؤال الذي قد يطرح نفسه علينا الآن إلى أي مدى أو حد تفيد عملية زراعة القوقعة ؟ .

 

ولنجيب على هذا التساؤل قد نحتاج لعرض نتائج مجموعة من الدراسات التي بحثت في هذا الموضوع من زوايا متعددة ، كما يجدر بنا عرض لآراء بعض الأشخاص الذين قاموا بإجراء هذا النوع من العمليات لنسمع منهم كيف عاشوا مثل هذه التجربة .

 

أولا _نتائج بعض الدراسات والأبحاث حول زراعة القوقعة :

تعددت الدراسات التي بحثت في زراعة القوقعة من حيث العمر الزمني فكان منها ما أجري على الأطفال قبل سن (5) سنوات، ومنها ما أجري على الأطفال بعد هذا السن وذلك لبحث أثر زراعة القوقعة على إدراك وفهم الكلام، وسنعرض في الأسطر التالية نتائج بعض الدراسات في ذلك.

فقد قام (Miyamoto , 1993) بإجراء دراسة مقارنة حول أثر زراعة القوقعة على مجموعة من الأطفال المصابين بالإعاقة السمعية منذ الولادة قد بلغ عددهم (11) طفلا، ومجموعة من الأطفال المصابين بالإعاقة السمعية بعد الولادة والبالغ عددهم (18) طفلا ، وقد تراوحت أعمار الأطفال في المجموعتين ما بين ( سنة _ 4) سنوات، إلا أن نتائج دراسته لم توضح وجود أي فروق بين المجموعتين في أداء وفهم الكلام.

إلا أن هذه النتيجة لا تتفق في إحدى زواياها مع ما توصل إليه (Waltzman , 1994)  من خلال الدراسة التي أجراها على (14) طفل أصم يبلغون الثالثة من عمرهم، من زارعي القوقعة والذين قد تلقوا تدريبا شفويا مكثفا مع إعادة في التأهيل، حيث قام بتتبعهم خلال حقبة زمنية استمرت العامين، والتي على آثرها توصل إلى أن هؤلاء الأطفال قد حققوا مستويات عالية جدا في أداء وفهم الكلام.

وهذا ما تؤكده دراسة كل من ( Domico & Lupfer , 1994 ) التي أشارت إلى تحسن أداء وفهم الكلام الأطفال الذين قاموا بزراعة القوقعة قبل سن (5) سنوات، كما أشارا أن تحسن في أداءهم وفهم الكلام مرتبط بالعمر الذي حدث فيه الفقدان السمعي والعمر عند زراعة القوقعة.

إلا أن نتائج هذه الدراسات قد خالفت نتائج بعض الدراسات الأخرى  كالدراسة التي أجراها (Vernon & Poole, 1996) على (80) طفل ممن قاموا بعملية زراعة القوقعة بعد سن الخامسة والذين لم يظهروا أي تحسن بعد أجراء العملية في أداء وفهم الكلام.

فبعد هذا العرض الموجز عن نتائج بعض الدراسات يمكننا القول أنه قد يكون من الصعب علينا الحكم على أثر زراعة القوقعة بناء على العمر الذي يتم فيه إجراء العملية الجراحية.

أشارت الدراسة التي أجراها أن الأطفال الذين استخدموا زراعة القوقعة والذين كانوا يعانون من صعوبة في فهم الكلام والذين كانوا يستخدمون لغة الإشارة قبل الزراعة أن مهارات التواصل لديهم قد تحسنت بشكل ملحوظ.

و كالدراسة التي أجراها (Kluwin & Stewart, 2000) على مجموعة من طلبة المرحلة الابتدائية من زارعي القوقعة، والتي لم تشر إلى أي تحسن ملحوظ في قدراتهم الكلامية بعد ملاحظتهم لمدة زمنية بلغت (6) أشهر. إلا أن الدراسة قد توصلت إلى أنه يمكننا الحكم على نجاح وأثر زراعة القوقعة من خلال متابعة تحسن مهارات الكلام والتواصل مع تقدم الزمن، خاصة وأن لغة الطفل تتحسن وتنمو دوما مع تقدم العمر إذا ما تم توفير التدريب المكثف.

 

ثانيا _ قصة لأحد زارعي القوقعة :

يوني بويترس توكر

         البرفسورة توكر استلمت شهادة القانونت من جامعة كولورادو سنة 1980. وقد علمت كمسؤول سجلات قانونية عند القاضي وليم . ي. دويل، محكمم الولايات المتحدة للاستئناف، الدورة العاشرة، وكانت الشريك القانوني في شركة (براون وباين) وهي الآن برفسورة في القانون في جامعة ولاية اريرزنا للحقوق.

         وهي كاتبة للعديد من المقالات والكتب مثل (احساس الصمت) البرفسورة توكر كانت صماء بدرجة شديدة (وغير قادرة على استعمال المساعدات الصوتية) منذ أن كان عمرها سنتان، وقد تلقت زراعة القوقعة في عمر الثانية والخمسين.

         تحكي عن نفسها "كنت في الثانية والخمسين من عمري، وقد اكتشف والدي أني مصابة بالطرش القوي منذ كان عمري سنتان ولم أستطع أبداً أن استعمل المساعدات الصوتية بالرغم من عجزي عن السمع، على كل حال، كنتيجة للتدريب الجيد، وحظي الجيد في القابلية الفطرية على استيعاب الكلام واللغة، كان لدي قابلية جيدة جداً للكلام مما جعل اللذين كانوا على علاقة بكلام الصم يعتقدون أنني أعاني من صعوبة في السمع وليس الطرش أما اللذين لم يكونوا على دراية بلغة الصم كانوا يعتقدون أنني أتكلم بلكنة معينة أي بلهجة معينة، وكنت أقرأ الكلام بطريقة رائعة، فعلا أستطيع أن أقرأ الكلام لأي شخص حين يكون الحديث وجها لوجهه.

         القابلية الممتازة على الكلام وقراءة الكلام لم تكن كافية للتغلب، فأنا لا أزال صماء أني أكره عدم استعملا التلفون وكنت أكره الاعتماد على مترجم في المحكمة وفي مدارس القانون الكبيرة وفي الاجتماعات وعلى الهاتف وغيرها إلخ، وكرهت أن أكون عاجزة عن مشاهدة التلفزيون، الذهاب إلى السينما أو المسرح أو أن أكون عاجزة عن استعمال التلفون، كرهت أن أكون عاجزة عن فهم أحفادي الصغار (الأطفال من الصعب أو مستحيل قراءة كلامهم). وفي حالة لم تصلكم الفكرة أقول مرة أخرى كرهت أن أكون عاجزة عن استعمال التلفون.

         وبما أني كرهت أن أكون صماء لا يجب أن يكون مفاجئا ازدياد شعبية زراعة القوقعة     متعددة القنوات، والناس الذين كانوا يسمعون في الأول ثم فقدوا السمع بدأوا يظهرون نتائج جيدة مع زراعة القوقعة وقررت أن أزرع ولكن لا تدعوني أخدعكم هذا لم يكن سهلا، قرار مفاجئ قبل سنوات عديدة، اهتميت بشدة بالحصول على زراعة القوقعة أحادية القناة، وبعد لقاء عدد من الأطباء والباحثين اللذين أرادوني أن أكون (كبش الفداء) ولكن أبحاثي أشارت أنني قد أتوقع فائدة قليلة إن وجدت أصلا إذا استعملت زراعة أحادية القناة. والفائدة المحتملة لم تكن تستحق عناء الوقت والطاقة التي سوف أبذلها وبالأخص كنت أعاني صراعات كوني طالبة حقوق وأم غير متزوجة مع ثلاثة أطفال، لذلك أخيرا رفضت.

         وفي سنة 1990، وقد أحدثت تطورات كبيرة على مجال زراعة القوقعة متعددة القنوات، الناس الذين كانوا يعانون من طرش بسيط والناس الذين كانوا يسمعون قبل أن يصابوا بالطرش وأيضا الناس اللذين كانوا صم لفترة طويلة وكانوا يلبسون (يستعملون) أجهزة المساعدات الصوتية (وكانوا مستفادين من استعمالها) والأطفال اللذين استعملوا زراعة القوقعة وهم في سن مبكرة كل هؤلاء أشاروا إلى أنني أنا ومعظم الأخصائيين سوف نتوقع نتائج ملموسة مع زراعة القوقعة ، وعندها كنت مستعدة. وعند اتخاذ القرار صدمت حين علمت أن قواي لم تكن جاهزة بعد حيث اعتقدت أن الموضوع سهل بالنسبة لي بوضع زراعة في عقلي، وبعد كل هذا كان الأطباء يريدون وضع زراعة القوقعة قبل سنوات.

         لكني أنا التي كنت أقول (لا) عن غير علم، كنت اعتقد أن حالما أقول نعم سوف يباشر الجميع على العمل، ليس كذلك، الآن وبعد أن تعلم الأطباء واختصاصي السمع الكثير عن زراعة الأذن الداخلية، قرروا أنني لم أكن مرشحة جيدة للزراعة. كوني صماء لفترة طويلة كان هذا الشيء ضد حالتي، الحكمة الطبية تغيرت آخر النظريات كانت هي بما أن دماغي لم يستقبل معلومات صوتية لفترة طويلة جدا (نفرض أنه لم يستقبل أبدا - لا توجد أي طريقة ممكن أن نعلم فيها كم سمعت قبل عمر السنين)، لا نعلم ماذا نفعل بالمعلومات الصوتية التي سوف تستقبل من الزراعة، وبطريقة عمياء (كان تأثير كلمة (كنت)، إنني مرشحة (سيئة)، لن (اتحسن) مع استعمال الزراعة، كل هذا تم شرحه لي، الرأي الطبي أكد أنني سوف أوافق على قرار عدم استخدام الزراعة.

         لم أوافق، بل كلما تعلمت عن الزراعة متعددة القنوات كلما أصريت على أن أزرع، ربما الأطباء واختصاصي السمع كانوا على حق، الحقيقة كانت أنه لا أحد - لا أنا ولا الأطباء ولا اختصاصي السمع يستطيعون أن يعلموا بالتأكيد إذا كانت  القوقعة المزروعة  ستساعدني على السمع.

         ممكن أن نتحدث عن الاحتماليات والقابلية على الحصول إلى الأبد، وحين بدأت اهتم وأقلق كان هذا كله خارج صلب الموضوع، كنت أعلم أنه سوف يتطلب حدوث شيئين لكي يجعل هذه  القوقعة المزروعة  ناجحة: العمل بجهد والمحافظة على دوري في الموضوع وبعض القابليات الفسلجية للدماغ والأذن، وأول شيء أستطيع أن أضمنه هو أنني كنت راغبة في أن أحضى بفرصته فورا.

         لذلك رتبت لاقناع الدكتور ويليام لوكسفورد العامل في مؤسسة (مصمة) بيت الأردن في لوس أنجلس ليبدأ تحضير العمليةن في حين أشار د. لوكسفورد بالطبع إلى عدم استعمالي  القوقعة المزروعة  لفسر الأسباب التي سمعتها لمئات المرات من قبل وهي: أنني أستطيع التحدث مسبقا وأستطيع قراءة الكلام بصورة جيدة لذلك لن تكون للقوقعة المزروعة  فائدة عملية كبيرة بالنسبة لي، وبما أنني كنت صماء طيلة حياتي فإن فرص حصولي على فائدة ملموسة تكاد تكون ضعيفة إلى معدومة، فإن قد أسمع ضوضاء فقد والتي قد تقودني إلى الجنون، على أي حال، أخيرا اقنعت الطبيب الجيد أن القرار سوف يكون قراري وليس قراره وبالرغم أنني احترم رأيه وتوصيته وتميزه للاحتمالات والقابليات التي كانت جميعها صحيحة، ولا زلت أريد أن أجرب الدكتور لوكسفورد وحمله على موافقة عمل الجراحة وذلك بوعدي له بأنني وبكل الأحوال سوف أرتدي هذه  القوقعة المزروعة  لسنة ونصف أو ربما سنتين مهما كرهتها.

         مع أن الحد الأدنى من الفائدة التي كان هو يتوقعها فإنني كمنت أعلم أنني انتظر هذه الفائدة، موافقتنا تم توقيعها وتم ختمها، وهناك أنا كنت في المستشفى انتظر الجراحة ليتم زرع القوقعة وبدأ الوحش الغير مرغوب به يتمسك إلى عقلي.

 

الجراحـة

         في العاشر من كانون الأول سنة 1991 اليوم الذي يسبق اليوم المحدد للجراحة، وقد حلقت إلى لوس أنجلس، أمضيت الليلة مع صديق والتي أوصلتني إلى المستشفى في اليوم الثاني عند ذهابها إلى العمل.

         وقد قمت بفحوصات روتينية قبل العملية مثل (أشعة، فحص دم، EKG) لملئ أكوام الأوراق المعتادة وفي وقت مبكر من بعد ظهر ذلك اليوم تم تدقيق بقائي في المستشفى ليلا بصورة رسمية، بعد فترة وجيزة من اطلاعي على سريري في المستشفى قمت بالتحدث مع الدكتور لوكسفورد واخصائي التخدير وبعدها تم إعطائي مهدئات وبعد الانتظار المعتاد على السرية (الفراش) في الممر حين كنت أحاول أن لا أفكر فيما يحمله المستقبل في طياته تم دفعي بالسرية إلى العملية.

         وأول شيء علمته بعد ذلك أنه بعد ثلاث ساعات ونصف تقريبا كنت في غرفة الراحة. وكان رأسي يؤملني وكانت معدتي تؤلمني أيضا وكان هناك ضمادة على نصف واحد من رأسي وأستطيع أن أشعر بالضربة قليلا خلف أذني - وهذا سوف يبقى معي لبقية حياتي - المكان الذي وضعت فيه الزراعة القوقعة داخلية، المكان الذي ستوضع فيه قطعة الماكنيت لتوصل بين الجهاز الداخلي والمستقبل الخارجي، أغمضت عيني وطمئنت نفسي وذلك بتذكير نفسي أنني في نفس الوقت غدا سوف أشعر بكثير من التحسن.

         وفي الصباح الثاني، ابنتي (رونيل) وصلت من بيتها من سان دييغو في الساعة 10.30 تقريبا بعد أن حلقت رونيل بأن تتولى منصب الممرضة الحارسة وبعد إكمال بضعة الأوراق البيروقراطية، وتم السماح للتأكد من ذلك في فندق الدرجة الأولى هذا، وذهبنا أنا ورونيل إلى منطقة برنتوود وتمشينا في بعض المحلات التجارية (وأيضا اشتريت بلوزة جديدة) وتغدينا في مطعم إيطالي واستقلينا السيارة إلى المطار للعودة إلى المنزل والتقوا بي أهلي في المطار في فوينكس وأخذوا ينظرون إلي ثم انطلقنا إلى منزلنا حيث سقطت على الفراش.

         لم يبدو أنه كان شيئا كثيرا، هل كان؟ وفي الحقيقة لا أتذكر أنه كان سيئا جدا (ومن الناحية الأخرى من الواضح جدا أنني لا أتذكر ولادة طفل كشيء سيئ وإلا كيف استطعت أن أنجب ثلاثة أطفال).

         بقيت بجوار المنزل لبضعة أيام إلى أن زال تأثير المخدر من جسمي، وكان علي غسل نهايات شعري من دون ترطيب الرأس والطعنة نصف القلبية الشكل (حاول أنت ذلك يوما ما)، وفي اليوم الرابع بعد الجراحة عدت إلى العمل. كنت أشعر بالدوار وقليلا من عدم الارتياح ولكني لا شيء يمنع من العيش والعمل، والمضايقة الكبيرة كانت في محاولة تغطية شعري الخفيف أصلا للبقعة الصلعاء (لم أقرر فيما إذا كان الشيء المهم هو العودة مع شعر أكثر كثافة أو العودة مع السمع).

         والجزء الصعب فعلا كان انتظار (التوصيل) وهذا كان شهرا طويلا جدا لم أستطع النوم من كثرة التساؤل عن ما قد يحدث بعد التوصيل السحري. هل سيعمل؟

توصيل المتحسس:

         بعد شهد من الزمان في كانون الثاني اليوم التاسع من الشهر سنة 1992. حلّقت مجددا إلى لوس أنجلس وهذه المرة أجرت سيارة وقطعت الطريق إلى مصحة بين الأذن، كنت وحيدة لم أسأل أي من الأصدقاء أو أي أحد من أفراد العائلة ليأتوا معي د. لوكسفورد ومساعدة المتخصص بالسمعيات داونا ميلز قد نبهني من عدم المخاطرة في تخييب ظن أي شخص آخر في حالة عدم قدرتي على السماع مع هذا الشيء، فسيكون علي أنا فقط تحمل هذا الإحباط.

         وهذا التوصيل كان من المفترض أن يتخذ ثلاثة أيام لم تكن عملية سهلة عملية ربط الجزء الخارجي بالجهاز الداخلي، حيث يجب برمجة كل من الإلكدرونات الاثنان على حد. أي كل واحد من الأقطاب يجب أن يبرمج وحده من قبل داونا بواسطة الكومبيوتر ليوفر الأصوات التي سوف يقوم الدماغ بترجمتها والتأقلم عليها (نأمل ذلك) على شكل أصوات، من وجهة نظري بعد خمسين سنة من الصمت، قابلية الأذن - الدماغ لتوضيف المعلومات متوقع أن تتحرك بصورة كبيرة في وقت معين، لذلك في أدنى الحالات. سوف أحتاج إلى قليل من الساعات في اليوم ولمدة ثلاثة أيام متعاقبة من العمل بتعاون وجهد مع داونا وحاسوبها السحري (في أيام متعاقبة اعتقد أنه نصف السحر هو لـ داونا والنصف الآخر إلى حاسوبها).

         صراع لتشغيل جهازي، البرنامج الذي أستطيع أن أذهب إلى البيت وأعبث به لثلاثة أسابيع أو إلى الزيارة الثانية القادمة إلى لوس أنجلس، حالما وصلت إلى مكاتب داونا. الدرس الأولي قد بدأ، وكان يبدو كأنه سيستمر للأبد أثناء وضع الماكنيت في الرأس بحيث لا يسقط.

         وكان عليه أن أتعلم كيف أضع المايكرفون حول أذني بحيث تبقى نظاراتي على رأسي المنظر، مسبقا أحسست كأنني مخلوق من حرب النجوم، وكان عليه أن الماكنيت والمايكرفون (الذين كانا مربوطين بسلك قصير) إلى الجهاز الخارجي) عانيت من السلك الأطول داخل البلوزة وكنت أتمنى الأفضل ثم سحبته خارجا لأربطه بالجهاز الخارجي.

         آه - الجهاز الخارجي(كان بحجم علبة ونصف من علبة التدخين ووزنه تقريبا ثلاثة صناديق لعلب التدخين، متى سوف أسحبه؟! تساءلت. ولكني الآن ليس الوقت للتفكير بهذه القضايا، أنه الوقت الذي سوف تبدأ فيه المتعة الحقيقة.

         بعد ترتيب جميع هذه الأجزاء المتآلفة من أجزاء مختلفة من شخصي، قامت داونا بربط هذه الجهاز بالحاسوب وسوف نبرمج كل قطب بصورة منفصلة داونا قامت بالشرح وبعد أن نبرمج كل قطب سوف نضع (خطة) لأجل جهازي والخطة كانت نوعا ما تشبه خطة الطرق، وسوف تخبرنا هذه الخطة إلى أين سوف تذهب هذه الأصوات بصيغة الاتجاهات والشدة (بالإضافة إلى أشياء أخرى إضافية التي بقيت معقدة جدا بالنسبة إلي لكي أفهمها وأقل شرحا بكثير).

         داونا شغلت القطب الأول، رقم 20 ( بدأنا بالقطب ذات التردد القليل) وطلبت مني بإعلامها حالما أسمع أول ضجيج وهذا سوف يكون (حد العتبة) بالنسبة لي بالنسبة لهذا القطب. وبدأت تتحكم بالموجة، وتزيد الصوت في هذا القطب قليل من الأصوات بعد وهلة بدأت بالظهور - صوت. صوت حقيقي، وغير قابل للخطأ، ليس فقط اهتزازات وليست خيال، إنها (أصوات) وقد غمرني شعور بالسعادة جزء سعادة وجزء من الخوف وبدأت الدموع تتجمع في عيني ولكني لا ترضى بالسقوط، كنت أمنعها.

         عملنا على هذا القطب لوهله، داونا استمرت بجعل الصوت أعلى حتى أخبرتها كما هي أوصتني حيث أخبرتها أن الصوت أعلى من أن أستطيع أن أتأقلم معه لفترة دقيقة أو ما يقارب ذلك، والآن قد حصلنا على (الراحة) بالنسبة لهذا القطب حيث أن المسافة بين (حد العتبة) و (حد الراحة) هو ما يسمى بـ (المعدل) بالنسبة لهذا القطب وعندها انتهى العمل بالنسبة للقطب 20.

         داونا أغلقت القطب 20 وشغلت (أضاءت) القطب 19 - والعملية بدأت من جديد مرة أخرى مع القطب 19 وكررنا العملية لمجموعة أخرى من الأقطاب وقد أصبحت حينها منهكة، ليس غير نبرات الصوت التي كانت تحوم أصبت بصداع بالإضافة إلى غثيان وكنت أحاول أن أتجاوزهما. كنت أرغب في أخذ قليل من الراحة (كأنني لم أستلقي في حياتي من قبل سوى ثلاث مرات فقط).

         لم يكن هناك وقت للاستلقاء كان علينا أن نوازن الأقطاب التي برمجناها مسبقا وهذا يشمل تشغيل الصوت على كل واحد منهم بدوره، واحداً بعد الآخر بتسلسل مريح نوعا ما. للتأكد من أن جميع الأقطاب المبرمجة قد وضعت بوضع مقارب بالنسبة لمستوى الصخب (العلو) فيها.

         إذا كان واحد من الأقطاب أكثر ارتفاعا كانت داونا تقلله. إذا كان واحدا منخفضا كانت داونا ترفعه. وأخيرا جميع الأقطاب بدت وكأنها متوازنة وبدت على نحو متقارب تقريبا من بعضها في مستوى العلو.

         والآن الوقت لتشغيل جميع الأقطاب المبرمجة. داونا نبهتني بأن لا أتوقع الكثير فقد برمجنا فقط القليل من الأقطاب وكنت أحصل على القليل من كل واحد فيهم. معدلاتي كانت صغيرة جدا 3، 4، و 5 الذي يعني أنه الصوت قد ينتقل لمسافة قليلة في كل قطب. مستعملين الزرعات الناجحين والذين لهم خبرة تكون معدلاتهم بين 50 والـ 100 أو ربما أكثر. داونا بدأت تشرح (بالرغم من أن البعض يظهر نتائج جيدة مع معدلات قليلة). بدأت أفكر في آله الأوكورديون الموسيقية. من المنطقي أن الصوت ينتقل أفضل في الأوكورديون حين يكون مليء حيث يكون الصوت أعنى في حين أقل من هذا عندما يكون الأوكورديون فقط بوصه (إلخ) واحد. وحتى أستطيع أن أبني أوركوديوني من المعدل الأول ثم الثاني والثالث وإذا كنت محظوظة قد أصل الخامس عشر وهذا قد يشد الأوكورديون. (ملاحظة: هي تشبه نفسها بالآلة الموسيقية)

         لذلك حاولت أن أهيئ نفسي لتوقع القليل من الصوت، وحيث جاء الصوت وبدأت دموعي بالسقوط في هذا الوقت لم أستطيع برغم الجهد أن أحبس هذه الدموع.

         " أنه جدا عال، أعلم ذلك " قالت داونا " هل هو مؤلم؟"

         " لا " قلت ذلك محاولة أن أرد عليها.

         في الحقيقة الدموع لم تكن بسبب عدم الارتياح، لكنها كانت تسقط لأنني لم أستطيع أن أتخيل سماعي الصوت، لم أكن أملك.

         الكلمات لا وصف ما كنت أشعر به ولم أحاول أصلا. كيف أستطيع أن أشرح لها إحساس الصوت لشخص يعلم هذا الإحساس طيلة حياته؟!

أي شيء ممكن أن أقوله حينها أو أقولها الآن سيكون غير الأجواء التي أحسها.

 

كيفية عيش السنة الأولى

         كل ما كنت أسمعه هو نقط، طنات صغيرة، طنات، طنات، طنات لم تكن ذات معنى اطلاقا وكانت غير مريحة وأردت أن تتوقف هذه النقط (الطنات). وكان عندي بعض الشكوى أيضا، في الأول بدأت أشعر بدوار عدة مرات حتى كنت أسقط حين أفقد توازني، التقيت الدكتور لوكسفورد الذي أعلن أني أصبت بتجمع السائل حول  القوقعة المزروعة  حيث تبدأ بإحساس حركة السائل. د. لوكسفورد وضعني تحت علاج الستيرويد الذي ساعدني على التخلص من المشكلة وأعطاني المدررات لكي يمنع تكون الماء حول  القوقعة المزروعة  مما يساعد في منع هذه النوبات استمريت بأخذ المدررات، حيث تعرضت إلى ثلاثة أو أربعة نوبات من هذه الحالة خلال الخمسة سنوات من الزرع - والتي كانت تعالج خلال أسبوع أو اثنين بواسطة الستيرويد .

         ثانيا من المشاكل هو تطور حالة الطنين (كأجراس في الأذن) حين انزع  القوقعة المزروعة . صوت الجرس العالي في رأسي كان فعلا يشتتني، واعتقدت بطريقة ما أنه يجب أن أبقي  القوقعة المزروعة  في مكانها طول الوقت - شيء كنت أنوي أن أفعله وقد وعدت الدكتور لوكسفورد بأن أعمله. ولكن كان يجب عليه أن أنزع  القوقعة المزروعة  حين أذهب إلى الفراش في الليل. وبطريقة أخرى فإن هذا الطنين كان يمنعني من النوم. بدأت أفكر أنني يجب أن أرى بعض التحسن من هذه  القوقعة المزروعة  وإلا فإنني سوف أنزعج فعلا.

         وقد تعرضت إلى إزعاج أكثر لأنني لم أرى أي تقدم، وهذا لا يعني أنني لم أسمع شيئا على كل حال كنت أسمع أشياء. وهذا صحيح.كنت أسمع صوت الماء في الحمام وليس فقط حين استعمله أنا ولكني حين يستعمله آخرون أيضا وكنت أتخيله كأنه شلالات نياكارا، وكان عال جدا ومزعج وبدأت أفكر بتقليل استعمال الماء في الحمام لمرة واحدة في اليوم. وهذا لن يكون بالوضع السيء مثلما تضنون لأني أصلا قلصت عدد مرات استعمالي للمرافق في اليوم وهذا يعني أنني لن أضطر لاستعمال الماء كثيرا في المرافق، ولكن ليس هذا سبب تقليل استعمال المرافق بل كان تقليل استعمال المرافق لسببين.

الأول: لم أكن استعمل المرافق حين يكون هناك شخص بالجوار، فقد تعلمت أن أسمع حين يستعمل المرافق شخصان آخر، يا إلاهي، ماذا حدث للخصوصية؟!

ثانيا: كان مشكلة حين تستعمل المرافق مع هذه  القوقعة المزروعة .

         وأخيرا، وجدت طريقة للارتداء الجهاز من غير أن أبدو مثل مارتن، أضع السلك الطويل خلف أدنى من خلال الملابس وغلى الجيب ثم إلى الجهة اليمنى من الشيء الذي ألبسه في النصف الأسفل من جسمي في ذلك اليوم، وقد أحدثت ثقبا في داخل الجيب بواسطة المقص وأدخل السلك في خلال الثقب قبل أن أربطه بالجهاز وهكذا يكون غير مرئي، المشكلة أنه معظم الملابس التي كانت تحتوي على جيوب داخلية كانت بنطلونات، لذلك بدأت ارتدي بنطلونات فقط، وبهذه الطريقة بقي طول السلك أربعين (بوصة) من دون أن يسحب. ولكي أنزع البنطلون حين أذهب إلى الحمام كان عليه أن أنحني إلى نصف طولي لكي أمنع اختناقي بهذا السلك (حيث تتذكرون أن السلك كان يلف حول الرقبة وحول الأذن إلى المايكرفون والماكنيت).

         ثم انحني ببطيء على المرافق، وكان أمل عند الرقبة وألم عند الظهر أيضا - ألم بصورة عامة.

         ( لا أعلم لماذا استعمل صيغة الماضي مع أن الوضع هو نفسه اليوم، على كل حال بدأت اشتري تنانير وبدلات وآخذ كل شيء إلى الخياط الذي كان يضع الجيب في كل قطعة ملابس أشتريها).

         سمعت أكثر من المرافق على ما اعتقد. سمعت أيضا الدراجات النارية، كل مرة تسير فيها دراجة نارية في المنطقة التي أنا فيها أكاد أصاب بالجنوب أنها تؤلم، فعلا تؤلم وكنت أسمع الرعد أيضا إذا كانت قريبة وسمعت الغسالة والنشافة وغسالة الصحون وأكثر من مئة جهاز ومعظمها كانت غير مريحة أو غير مفرحة، هل كل هذه الأجهزة اخترعت من قبل ناس صم؟!

         سمعت نباح الكلاب، الكلاب الكبيرة، لم أستطع أن أتمشى في مكانات معينة لأني كنت أخشى الكلاب الكبيرة، سمعت نباح كلب خلف السور حيث لم أكن أعلم أنه يوجد كلب هناك حيث كان السور يمنع رؤيتهم والآن أنا متأكدة أن هؤلاء الكلاب سوف يكسرون السور لكي يهجمون عليه.

 

ــــــــــــــــــ

المراجع :

       § المراجع العربية

1-           الالزريقات ، إبراهيم (2003) : الإعاقة السمعية . عمان : دار وائل . ط1.

2-           سليمان ، صلاح (1994) : زراعة القوقعة الأليكترونية .اتحاد هيئات الفئات الخاصة والمعوقين . جمهورية مـصر العربية ، المؤتمر السادس 29_31مارس ، 1994 .

 

 

       § المراجع الأجنبية :

1-Bahmann (2003) : The Bahmann Foundation Programs . Breaking the Lsolation through Technology .                                                                                                              

2-Bertschy, H ., Kelsay ,D,. Gantz, B., Woodworth, G. (1997) :Cochlear Implant Use by Prelingually Deafened Children: The Influences of Age at Implant and Length of Device Use . Journal of Speech and Language , and Hearing Research , Vol 40, 183-199.                                                                                                                                          

3-Domico, H., & Lupfer ,M. (1994) : Speech perception after multichannel cochlear implantation in the pediatric patient . American journal Of Otology, Vol 15 , 66-70.

 

4-Dorman T,.(2000) :Cochlear Implants . McFarland & Company Inc . Publishers JeffersonNorth Carolina and London.                                                                              

5-Heinberg, J,. & Hayes, A,. (2000): Social and emotional adjustment of young adults with cochlear implants:addressing challenges and building on strengths. Volta  Voice     . July / August .                                                                                                                  

 

6-Kluwin,N. & Stewart , A.(2000) :Cochlear implants for younger children : Aprelimnary description of the parental decision process and out comes .                    

 

 

7-McCormick, A., & Sheppard ,S.(1993);Cochlear implants for young children .Whurr Puplisher Ltd. London.                                                                                           

 

8-Miyamoto, R,. (1993): Prelingually deaf children’s performance with the Nucleus multichannel cochlear implant. American Journal of Otology, Vol 14. 437-445.           

 

9-RNID (1998):All about hearing aids .The Royal National Institute for Deaf People .London.                                                                                                                                   

10-RNID (1998):Help with TV and audio .The Royal National Institute for Deaf          People .London.                                                                                                                                

 

11-RNID (1998):Equipment for deaf people .The Royal National Institute for Deaf People .London.                                                                                                                                    

 

12-Waltzman, S.(1994):Long term result of early cochlear implantation in congenitally and prelingually deafened children.American Journal of Otology, Vol 15 , 9-13.          

  • 64265
  • 2 شارة ذهبية 1 شارة فضية 8 شارة برونزية