متلازمة داون هي عبارة عن حالة تحدث عندما يوجد خلل في المادة الوراثية لدى الشخص، وتحديدا الكروموزوم رقم 21 الذي يتكرر ثلاث مرات في خلايا الجسم بصورة غير طبيعية، ومن هنا جاءت تسمية "التثالث الكروموزومي 21". ويتفاوت هذا الخلل من مصاب إلى آخر، لذلك قد يعيش بعض المصابين مع عائلاتهم بشكل طبيعي بل ويذهبون إلى العمل، بينما يحتاج البعض الآخر إلى رعاية مكثفة.
ويقدر مركز التحكم والوقاية من الأمراض أنه يولد سنويا في الولايات المتحدة ستة آلاف طفل مصابين بمتلازمة داون، أما في ألمانيا مثلا فيقدر عددهم الكلي بنحو 50 ألفا، يشعر كثير منهم بعدم تقبل المجتمع لهم.
ويتلقى المصابون بمتلازمة داون في ألمانيا الرعاية، إذ تحصل عائلاتهم على مساعدة من قبل الشبكة الألمانية لرعاية المصابين بمتلازمة داون، والتي كثيرا ما عايش رئيسها هاينتس شميتس ردود فعل الناس الأصحاء حين يرون مصابين بالتثالث الكروموزومي 21، مشيرا إلى أن الناس يخافون قليلا في البداية فيتراجعون خطوتين إلى الوراء، ولكنهم يتقدمون ثلاث خطوات إلى الأمام حين يكون بينهم وبين المصابين تواصل.
أشخاص سعداء
ويشير شميتس إلى أن المصابين بمتلازمة داون غالبا ما يكونون أشخاصا سعداء وأقل تجهما من غيرهم، فلديهم عالمهم الخاص الذي لا يخرجون عن حدوده ويعيشون فيه بسعادة. ولكنه في نفس الوقت يشعر بالأسف لردود الفعل الحذرة التي تصدر عن الناس حين يصادفونهم، مؤكدا أن المصابين بهذه المتلازمة جزء من المجتمع ولا يمكن استبعادهم.
ويجري أندريه تسيمبل -وهو متخصص تربوي وخبير في الطب العصبي النفسي- حاليا دراسة على ألف شخص مصاب بمتلازمة داون. وتهتم دراسته بشكل خاص بكيفية تعليمهم، وتركز على المحتويات أو المضامين التي يتعلمونها بشكل أفضل.
ويشير تسيمبل إلى أن هؤلاء الأشخاص لديهم اهتمام أقل بالبيئة المحيطة، لكن هذا لا يشكل نقطة ضعف بل نقطة قوة.
وينبه إلى أن المدارس التعليمية الخاصة لا تستطيع رعاية المصابين بهذه المتلازمة لأن اعتمادهم على المجرد أكبر من اهتمامهم بالملموس أو المحسوس، مشيرا إلى أنهم قادرون على تعلم القراءة والكتابة وهم في سن السنتين أو الثلاث.
ويتمنى تسيمبل أن يصبح هؤلاء المصابون أكثر قبولا في المجتمع، شأنهم في ذلك شأن المصابين بداء التوحد الذين لا يتمتعون بقدرات عادية على التواصل مع محيطهم، ويقول إنه في مجتمع يقدس الذكاء ليس هناك أسوأ من أن يعتبر الناس المرء غبيا، والنتيجة أن ازدراء المصابين بداون يكون كبيرا، إذ يعتقد الناس أنهم مصابون بخلل في الذكاء، رغم أن هذا ليس صحيحا.
مدارس مشتركة
وتوجد مدارس في ألمانيا -كما في دول أخرى- يتعلم فيها الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة مع الأطفال العاديين، مما يعود بالفائدة على الطرفين، فالأطفال غير المصابين بمتلازمة داون تسنح لهم فرصة تقديم المساعدة لغيرهم. ويؤكد تسيمبل أن علم النفس العصبي أثبت أن مساعدة الآخرين تجعل الشخص يشعر بالسعادة، تماما كالإحساس بالسرور الذي يشعره عندما يأكل الشوكولاته أو يفوز بجائزة.
ولكن حاليا قلّما يولَد أطفال مصابون بمتلازمة داون في ألمانيا، وذلك نظرا لاستخدام وسائل تقنية حديثة لتشخيص الحمل في رحم الأم قبل الولادة، إذ يستطيع الأطباء تشخيص هذه المتلازمة عند الجنين في وقت مبكر جدا من خلال فحوص دم الحوامل.
ويقرر نحو 90% من الحوامل وأزواجهن الذين يشخص جنينهن بمتلازمة داون إسقاط الحمل. وهذا الفحص مسموح في ألمانيا منذ عام 2012، ولكنه يثير الجدل من الناحية الأخلاقية، فمعارضوه ينتقدونه لأنه لا يخدم أهدافا طبية علاجية، إذ لا يمكن علاج متلازمة داون في حد ذاتها، ولكن يمكن اختيار إبقاء الطفل على قيد الحياة من عدمه.
ويرى شميتس أن من الفظاعة السماح بهذا الفحص، معبرا عن خشيته من "انقراض" الأشخاص الذين يعانون من متلازمة داون، ومؤكدا أن جزءا كبيرا من عمل شبكة رعاية المصابين بمتلازمة داون التي يرأسها، يقوم على توعية الناس بشأن المصابين بها وجعلهم أكثر تقبلا لهم، لأنهم حين يعرفون أن هذه المتلازمة ليست مرضا وأن هؤلاء المصابين ليسوا أغبياء ولكنهم مختلفون عن البقية فحسب، سيتمكن المجتمع من التعامل معهم بمنتهى الانفتاح والترحاب.