وجدت دراسة نرويجية أن بعض صعوبات التعلم، كسوء الخط وقصور المهارات الحركية والتعثر في الرياضيات، تكمن في العين لا في الدماغ. ويعتقد الباحثون النرويجيون أن هذه الصعوبات تعود إلى أن خلايا العينين لا تعمل جميعها كما ينبغي، حسب بيان الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا (NTNU).
والمعلوم أن شبكية العين تحتوي على مجموعات من الخلايا تستجيب لمحفزات معينة، فيتفاعل بعضها مع ألوان معينة، ويتفاعل بعضها الآخر مع التمايزات والحركة، وتقوم هذه الخلايا منفردة بجمع المعلومات التي تتيح مجتمعة خبرتنا البصرية الإجمالية.
إحدى هذه المجموعات تسمى خلايا "ماغنو" وتستجيب للحركات السريعة ناقلة إشارات العين للدماغ. وهو ما يساهم في فهم ملاحظة أن أنماطا عديدة من صعوبات التعلم غالبا ما تحدث معا، والتي كانت مستعصية على الفهم.
وتحول المعلومات التي ترسلها الخلايا مشاهداتنا إلى لقطات فيديو حية. وبدونها تفهم أدمغتنا ما نراه على أنه سلسلة صور ثابتة، ليس لها بينها صلة مباشرة، أشبه بكتب الفكاهة المصورة.
ورجح الباحثون أن فشل خلايا ماغنو في العمل كما ينبغي يفسر كثيرا من صعوبات التعلم ومشكلات النمو. إن الشخص لدى محاولة التقاط كرة، إذا لم يتصور جيدا مسار حركة الكرة بالنسبة لجسمه، لن يتمكن من التقاطها، لأن مهاراته الحركية أقل دقة مما يجب.
صعوبات مترافقة
لكن الأشخاص الذين يعانون مشكلات حركية لديهم غالبا مشكلات أخرى. فما بين ثلاثة وثمانية بالمائة من أطفال المدارس يعانون صعوبة كبيرة في تعلم الرياضيات، ونصف هؤلاء يعانون أيضا عسر القراءة ومشكلات في نمو المهارات الحركية.
وكان من المعروف أن أنماطا عديدة من صعوبات التعلم غالبا ما تحدث معا، لكن السبب لم يكن مفهوما.
التحدي التربوي هو إيجاد تقنيات تدريس تسهل وصول المعلومات البصرية إلى مناطق بالدماغ لأجل معالجة أكثر
ودرس البروفيسور هرمندر سيغموندسن مبادئ التعلم العامة، وكذلك صعوبات التعلم. وهو يدعم الدراسات التي تظهر أن الأطفال ذوي الصعوبات الكبيرة في تعلم الرياضيات لديهم أيضا قصور في التصور البصري المرتبط بسرعة تغير البيئة المحيطة.
وشارك في الدراسة أطفال في سن العاشرة من مدرستين، وأجري لهم امتحان رياضيات. ثم أجريت اختبارات أخرى نفسية وبدنية لمجموعتي المتفوقين والمتخلفين، إذ اختبرت قدراتهم ومعالجاتهم البصرية.
تناول الاختبار الأول القدرة على تتبع نقاط على الشاشة تتحرك بأنماط مختلفة، متوقعة وغير متوقعة. وأظهر الاختبار قدرة الأطفال على تتبع الحركات المتوقعة والتنبؤ بها مقارنة بالحركات العرضية، مما يعني تقييما كميا لقدرة الأطفال على إدراك التغيرات السريعة بالبيئة.
وكان الآخر اختبار سيطرة لفحص القدرة على تصور الأشكال باستخدام الدوائر، ولا يتضمن أي حركة.
أساليب جديدة
جاءت فروق الأداء بين المجموعتين عالية في اختبار تتبع النقاط المتحركة، وسجّل فيه الأقل قدرة بالرياضيات أقل أداء أيضا. لكن لا فروق بينهما في اختبار السيطرة.
أثبتت الاختبارات الآلية التي يعتقد سيغموندسن وزملاؤه أنها وراء بعض إعاقات التعلم، وكلها تتعلق بكيفية معالجة الجهاز البصري لمعلومات البيئة المحيطة، من خلال خلايا ماغنو وغيرها. ويؤدي وقوع خطأ محدود هنا لعواقب كبيرة ويتسبب في أنماط مختلفة من إعاقات التعلم.
ويلفت سيغموندسن إلى أن ظهور دليل على إعاقة تعلم لدى الأطفال في مجال معين يوجب أن نتوقع صعوبات تعلم في مجالات أخرى، موضحا أننا عندما نرصد مصدر المشكلة يسهل تكوين وتكييف برامج علاجية تساعد الأطفال في الوصول لأفضل أداء.
ويلاحظ الباحث أن فهم الأسباب الكامنة وراء إعاقات التعلم يمكن أن يقود إلى منهج جديد في الأساليب التربوية، إذ إن الأطفال الذين يعانون اختلالا وظيفيا بخلايا ماغنو قد يحتاجون إلى أدوات خاصة لمساعدتهم في تصور المعلومات البصرية أكثر مما كان يعتقد سابقا.
غير أن التحدي التربوي هو إيجاد تقنيات تدريس تسهل وصول المعلومات البصرية إلى مناطق بالدماغ لأجل معالجة أكثر.